قلت إن الدراهم لا تتعين بالتعيين فهي وإن كانت لا ينتفع بها مع بقاء عينها لكن بدلها قائم مقامها لعدم تعينها فكأنها باقية ولا شك في كونها من المنقول فحيث جرى فيها تعامل دخلت فيما أجازه محمد ولهذا لما مثل محمد بأشياء جرى فيها التعامل في زمانه قال في الفتح إن بعض المشايخ زادوا أشياء من المنقول على ما ذكره محمد لما رأوا جريان التعامل فيها وذكر منها مسألة البقرة الآتية ومسألة الدراهم والمكيل حيث قال ففي الخلاصة وقف بقرة على أن ما يخرج من لبنها وسمنها يعطى لأبناء السبيل قال إن كان ذلك في موضع غلب ذلك في أوقافهم رجوت أن يكون جائزا وعن الأنصاري وكان من أصحاب زفر فيمن وقف الدراهم أو ما يكال أو ما يوزن أيجوز ذلك قال نعم قيل وكيف قال يدفع الدراهم مضاربة ثم يتصدق بها في الوجه الذي وقف عليه وما يكال أو يوزن يباع ويدفع ثمنه لمضاربة أو بضاعة .
قال فعلى هذا القياس إذا وقف كرا من الحنطة على شرط أن يقرض للفقراء الذين لا بذر لهم ليزرعوه لأنفسهم ثم يؤخذ منهم بعد الإدراك قدر القرض ثم يقرض لغيرهم من الفقراء أبدا على هذا السبيل يجب أن يكون جائزا .
قال ومثل هذا كثير في الري وناحية دوما وند اه .
وبهذا ظهر صحة ما ذكره المصنف من إلحاقها بالمنقول المتعارف على قول محمد المفتى به وإنما خصوها بالنقل عن زفر لأنها لم تكن متعارفة إذ ذاك ولأنه هو الذي قال بها ابتداء .
قال في النهر ومقتضى ما مر عن محمد عدم جواز ذلك أي وقف الحنطة في الأقطار المصرية لعدم تعارفه بالكلية نعم وقف الدراهم والدنانير تعورف في الديار الرومية اه .
قوله ( ومكيل ) معطوف على قول المصنف ودراهم .
قوله ( ويدفع ثمنه مضاربة أو بضاعة ) وكذا يفعل في وقف الدراهم والدنانير وما خرج من الربح يتصدق به في جهة الوقف وهذا هو المراد في قول الفتح عن الخلاصة ثم يتصدق بها فهو على تقدير مضاف أي بربحها وعبارة الإسعاف ثم يتصدق بالفضل .
قوله ( فعلي هذا ) أي القول بصحة وقف المكيل .
قوله ( وجنازة ) بالكسر النعش وثيابها ما يغطى به الميت وهو في النعش ط .
$ مطلب في التعامل والعرف $ قوله ( لأن التعامل يترك به القياس ) فإن القياس عدم صحة وقف المنقول لأن من شرط الوقف التأبيد والمنقول لا يدوم والتعامل كما في البحر عن التحرير هو الأكثر استعمالا وفي شرح البيري عن المبسوط أن الثابت بالعرف كالثابت بالنص اه .
وتمام تحقيق ذلك في رسالتنا المسماة ( نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف ) وظاهر ما مر في مسألة البقرة اعتبار العرف الحادث فلا يلزم كونه من عهد الصحابة وكذا هو ظاهر ما قدمناه آنفا من زيادة بعض المشايخ أشياء جرى التعامل فيها وعلى هذا فالظاهر اعتبار العرف في الموضع أو زمان الذي اشتهر فيه دون غيره فوقف الدراهم متعارف في بلاد الروم دون بلادنا ووقف الفأس والقدوم كان متعارفا في زمن المتقدمين ولم نسمع به في زماننا فالظاهر أنه لا يصح الآن ولئن وجد نادرا لا يعتبر لما علمت من أن التعامل هو الأكثر استعمالا فتأمل .
قوله ( لحديث الخ ) رواه أحمد في كتاب السنة ووهم من عزاه للمسند