قلت وقد كنت قديما جمعت في هذه المسألة رسالة سميتها العقود الدرية في قول الواقف على الفرضية الشرعية حققت فيها المقام وكشفت عن مخدراته اللثام بما حاصله أنه صرح في الظهيرية بأنه لو أراد أن يبر أولاده فالأفضل عند محمد أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وعند أبي يوسف يجعلهما سواء وهو المختار ثم قال في الظهيرية قبيل المحاضر والسجلات عند الكلام على كتابة صك الوقف إن أراد الوقف على أولاده يقول للذكر مثل حظ الأنثيين وإن شاء يقول الذكر والأنثى على السواء ولكن الأول أقرب إلى الصواب وأجلب للثواب .
$ مطلب مراعاة غرض الواقفين واجبة والعرف يصلح مخصصا $ وهكذا رأيته في نسخة أخرى بلفظ الأول أقرب إلى الصواب فهذا نص صريح في التفرقة بين الهبة والوقف فتكون الفريضة الشرعية في الوقف هي المفاضلة فإذا أطلقها الواقف انصرفت إليها لأنها هي الكاملة المعهودة في باب الوقف وإن كان الكامل عكسها في باب الصدقة فالتسوية بينهما غير صحيحة على أنهم صرحوا بأن مراعاة غرض الواقفين واجبة وصرح الأصوليون بأن العرف يصلح مخصصا والعرف العام بين الخواص والعوام أن الفريضة الشرعية يراد بها المفاضلة وهي إعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين ولذا يقع التصريح بذلك لزيادة التأكيد في غالب كتب الأوقاف بأن يقول يقسم بينهم على الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثيين ولا تكاد تسمع أحدا يقول على الفريضة الشرعية للذكر مثل حظ الأنثى لأنه غير المتعارف بينهم في هذا اللفظ .
وفي الأشباه في قاعدة العادة محكمة أن ألفاظ الواقفين تبنى على عرفهم كما في وقف فتح القدير ومثله في فتاوى ابن حجر ونقل التصريح بذلك على جماعة من أهل مذهبه وفي جامع الفصولين مطلق الكلام فيما بين الناس ينصرف إلى المتعارف وقدمنا نحوه عن العلامة قاسم وقد مر وجوب العمل بشرط الواقف فحيث شرط القسمة كذلك وكان عرفه بهذا اللفظ المفاضلة وجب العمل بما أراده ولا يجوز صرف اللفظ عن مدلوله العرفي لأنه صار حقيقة عرفية في هذا المعنى والألفاظ تحمل على معانيها الحقيقية اللغوية إن لم يعارضها نقل في العرف إلى معنى آخر فلفظ الفريضة الشرعية إذا كان معناه لغة أو شرعا التسوية وكان معناه في العرف المفاضلة وجب حمله على المعنى العرفي كما علمت ولو ثبت أن المفاضلة في الوقف مكروهة كما في الهبة وأن النص الوارد في الهبة وارد في الوقف أيضا نقول إن هذا الواقف أراد المفاضلة وارتكب المكروه فلا يكون في ذلك تقديم العرف على النص بل فيه إعمال النص بإثبات الكرامة فيما فعله وإعمال لفظه بحمله على مدلوله العرفي فإن النص لا يغير الألفاظ عن معانيها المرادة بل يبقى اللفظ على مدلوله العرفي وهو المفاضلة لأنه صار علما عليها وهي فريضة شرعية في ميراث الأولاد فإذا ذكرها في وقفه على أولاده وجب العمل بمراده وهذا كله بعد تسليم أن المفاضلة في الوقف مكروهة كما في الهبة وقد سمعت التصريح بخلافه عن الظهيرية .
وقد وقع سؤال في أواخر كتاب الوقف من الفتاوى الخيرية فيه ذكر الفريضة الشرعية مع عدم التصريح بأن للذكر مثل حظ الأنثيين .
فأجاب فيه بالقسمة بالمفاضلة وأجاب في الخيرية قبله في سؤال آخر بذلك أيضا وبه أفتى مفتي دمشف المرحوم الشيخ إسماعيل تلميذ الشارح وكذا شيخ مشايخنا السائحاني ورأيت مثل ذلك