الإعلام والتقريب ورقة موجزة مقدّمة إلى المؤتمر الدولي الثاني عشر للوحدة الإسلامية طهران ـ ربيع الأول 1420 الدكتور محمد علي آذرشب رئيس تحرير مجلة رسالة التقريب والمستشار الثقافي للجمهورية الإسلامية الايرانية في دمشق بسم الله الر حمن الرحيم مقدمة شهد العالم في نهايات القرن الميلادي الثاني ثورة عظيمة في الاتصالات صيرت منه كما يقال «قرية صغيرة»، وهذه الحالة الجديدة أفرزت تيارات أثرت إلى حد كبير على الجوّ النفسي والفكري في العالم عامة وفي العالم الإسلامي بشكل خاص وما يطرح في الساحة اليوم من قضايا «العولمة» و«العلاقة بين الحضارات» و«الغزو الثقافي» وأمثالها إنّما هو من الآثار الإيجابية والسلبية لظاهرة الانفجار في حقل تبادل المعلومات والاتصالات. مما لاشك فيه أن ثورة الاتصالات هذه أزالت الحواجز امام الثقافات والأفكار، فجعلت الفرقاء وجهاً لوجه، وصيرت من العالم حلبة يفوز بها من له قصب السبق في هذه الثورة الإعلامية، فما هو موقع العالم الإسلامي من ثورة الاتصالات هذه؟ وكيف يمكن أن يتخذ منها وسيلة لدعم وجوده وقوته ووحدته والتقريب بين فصائله ومذاهبه؟ هذا ما تريد هذه الورقة فتح باب لمعالجته والتفكير الجاد فيه. أهمية الاعلام يختلف الخطاب الإعلامي عن الخطاب الفكري في قدرته على تحريك المشاعر والعواطف، ونحن في عملية التقريب والتوحيد بين صفوف الأمة نحتاج في اعتقادي احتياجاً مبرما إلى الخطاب الإعلامي كحاجتنا إلى التعميق العلمي والتأصيل الفكري والبحث الفقهي والأصولي والتاريخي والروائي لمسألة التقريب. ثمة جهود مشكورة يبذلها اليوم «المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية» على صفحات مجلته «رسالة التقريب» وفي إطار أعماله العلمية التي تفيض علينا بثمارها في مجال التفسير وتحقيق النصوص وإعادة طباعة التراث التقريبي والفقه المقارن والروايات المقارنة وفي إطار جامعته الواعدة المكرسة لتدريس المذاهب الإسلامية من وجهة نظر تقريبية، إضافة إلى جهود مشكورة أخرى تبذل في هذا المجال ضمن إطار الايسسكو والأزهر ورابطة العالم الإسلامي ومؤسسة أهل البيت. غير أن هذه الجهود تنصب بالدرجة الأولى في دائرة مراجعة التراث والتركيز على المشتركات الأصولية والفقهية والحديثة والتفسيرية، وكل ذلك مفيد طبعاً لكنه يخاطب العقل أكثر مما يخاطب الروح والنفس والقلب، ولو بقي الأمر على هذا المنوال أحسب أن عطاءه سيكون محدوداً في دائرة علماء الدين، بل سيكون محصوراً في التأثير على المنطقة العقلية الباردة من هؤلاء العلماء، وسوف لا يكون لها التأثير المطلوب على الساحة الاجتماعية العملية، ولن تخلق موجة محركة للطاقات الإسلامية باتجاه التوحيد والتقريب. قد يستهين بعض الباحثين والعلماء في حقل التقريب بلغة الإعلام معتقدين أنها لغة لا تتميز بالعمق العلمي والعمق الفكري، وهذه الاستهانة مردّها في اعتقادي إلى: 1- أننا لا نزال نرث روح الاستعلاء العلمي الذي ساد بين علمائنا في عصور الانحطاط، والذي جعل العلم حكراً على فئة وضمن دائرة لا يجوز أن يخترقها «العوام» ومن هنا كانت لغة العلماء في تلك العصور ملتوية لا يستطيع «الاغيار» أن يفهموها. وهذا ما عزل العلماء عن الأمة في فترة طويلة من الزمن، حتى تصدّى لكسر هذه الأبراج العاجية المصلحون من علماء الأمة الذين لم يحجزهم علمهم عن الناس، بل دفعهم لتقديم الخطاب الأصيل المعاصر للجماهير، رغم ما واجهوه من لوم اللائمين، وأذكر هنا على سبيل الإشارة ما جاء في مقدمة كتاب «دستان راستان» للشهيد السعيد العلامة مرتضى المطهري الذي كتب قصصاً أصيلة أخلاقية للناشئة، فلامه اللائمون قائلين له: لا يليق بشخص كتب تعليقات على «أصول فلسفة وروش رئاليسم» أن يهبط إلى مستوى كتابة هذه القصص التربوية. 2- إن المستهينين بلغة الإعلام لا يفقهون أسلوب الدعوة أو غير مهتمين أساساً بدعوة الناس إلى مثل أعلى، والواقع أن الإسلام ليس مدرسة لعلم الكلام والفلسفة والجدل العقلي بقدر ما هو مدرسة لتربية الروح والنفس والقلب. وإذ أقول الروح، والنفس، والقلب وأقصد بها شيئاً واحداً هو الطاقة المحركة في وجود الإنسان والقرآن الكريم يخاطب «الإنسان» بكل مافيه من عقل وروح لا يفصل بين الاثنين، يجمع بين الدليل العقلي والأسلوب العاطفي، ولا تجد فيه آية واحدة لا تستخدم الأسلوب الأدبي العاطفي في الخطاب. ولذلك كان علماء الأمة في الصدر الأول في طليعة المجاهدين، وكان حملة القرآن أكثر الناس تعرضاً للقتل في الغزوات وبقي الأمر على هذا المنوال على مر العصور، بدرجة وأخرى، غير أن حالة الخمود والجمود التي سادت العالم الإسلامي أفرزت إلى جانب هذه الروح الجهادية عند كثير من العلماء حالة أخرى ترى أنها مكلفة في حياتها بوضع حواش على شروح وشروح على حواش ضمن الجدران الأربعة للمدارس العلمية، دون أن يكون لها أي تأثير في خارجها. وهذه الحالة المتخلفة أوجدت - إضافة إلى ما ذكرت من انفصال هذا القطاع من العلماء عن الأمة - أوجدت أيضاً مفارقات سلوكية مخجلة. فلقد وجدنا ضمن هذه الفئة أفظع ألوان التقاعس عن العمل الجهادي والدعوي بل الوقوف بوجه المجاهدين العاملين ووجدنا أفظع ألوان الضعف أمام إغراءات المال والجاه والجنس، وما ذلك لأن امتلاء المنطقة الباردة بالملعومات لا يمكن أن يؤثر في سلوك الفرد، بل الذي يؤثر في سلوك الفرد ويدفعه إلى سلم الكمال الإنساني والى الانضباط السلوكي وقوة «الإرادة» والى الحركة على طريق البذل بالنفس والنفيس هو هذه المنطقة الحارة المحركة في الإنسان إنها منطقة الروح وإن شئت قلت النفس أو القلب أو الفؤاد. من هنا فإن الخطاب الإعلامي ضرورة قصوى في أية دعوة، ودعوة التقريب لا يجوز أن تقتصر على البحث العلمي الأكاديمي، بل يجب أن تتخذ من الإعلام سبيلاً لتحقيقها، وإذا كان المنبر يوماً وسيلة وحيدة للإعلام الجماهيري، فإن الأقمار الصناعية التي تملأ الآفاق وأجهزة استلام الفضائيات وشبكات الاتصال التي تملأ سطوح المنازل والبيوت قد تحوّلت إلى منابر جذابة ومتطورة لخطاب الشعوب في كل مكان. دور الاعلام في عالمنا الإسلامي دور الإعلام في عالمنا المعاصر شأنه شأن التقنيات الأخرى متخلف وهو غالباً ذيلي تابع. إنه في أحسن أحواله يحاول أن يقلّد الإعلام الغربي. ولو أنه قلّده في الشكل والإطار والتقنية فقط لهان الأمر، ولكنه يقلّده كثيراً في المضمون أيضاً، بل والأخطر من ذلك فإن بعض شبكات الإعلام في عالمنا الإسلامي تسير على نفس طريق التآمر الإعلامي على العالم الإسلامي على الصعيد السياسي والفكري والخلقي، مثل تكريس مفهوم العولمة بمعناه الأمريكي، ومفهوم الشرق أوسطية، ومفهوم القبول بواقع الهزيمة، ومثل إثارة المشاكل القومية والطائفية والحدودية، ومثل إشاعة الفساد والفحشاء والإثارات الجنسية حتى في أفلام كارتون الأطفال. وإذا أردنا أن نجد مكاناً في إعلام عالمنا الإسلامي لموضوع استعادة الهوية الإسلامية وتربية الجيل على الشعور بالقومية الإسلامية والانتماء الإسلامي، وخلق روح التآخي والوحدة والشعور المشترك بين المسلمين فلا نجده، اللهم إلا في فلتات الوعظ والمقابلات مع العلماء المخلصين لرسالتهم. أما الاتجاه العام فيسير على عكس ذلك تماماً. يتجه نحو إثارة بؤر النزاع والمواجهة المشاكسة بين المسلمين، كما يتجه نحو قبول كل معادلات الهيمنة التي تريد أمريكا وإسرائيل أن تفرضها على المنطقة، وتخلق لهذا القبول أجواء موهومة من الرعب الكاذب والأمل الكاذب، وليس بعيداً عنا انتخاب «باراك» في الأرض المحتلة، الذي صيرت منه بعض شبكات الإعلام العربية كما يقول أحد الأخوة: «باراك الدين الأيوبي» الذي سيأتي منقذاً للفلسطينيين والعرب أجمعين. الصفات الغالبة على إعلامنا في العالم الإسلامي من وجهة نظر التقريب 1- العلمانية والتركيز على فصل الدين عن الحياة، وتضخيم الأخطاء التي تصدر عن بعض الإسلاميين للإساءة إليهم جميعاً ومحاولة إعطاء صفة التخلف والدكتاتورية والعنف على الاتجاه الإسلامي، وهذا يؤدي إلى تمزيق الأمة إلى علمانيين وإسلاميين، والى إسلاميين معتدلين وإسلاميين متطرفين، وغالباً ما تكون هذه التقسيمات وهمية ناشئة عن ذهنية كاذبة يخلقها الإعلام. 2- التركيز على المفهوم القومي المتعصب الذي يثير مشاعر العداء تجاه الغير، ويجزّئ الأمة إلى عربي وفارسي وطوراني، بل أحياناً يثير النزعات المحلية بين أبناء القومية الواحدة ليفتتها إلى فرعوني وفينيقي وبابلي. 3- صبّ الزيت على الاختلافات الحدودية بين المسلمين ليشعل نار الحروب بين البلدان الإسلامية ضمن إثارات قومية وإقليمية ومحلية. 4- إثارت الاختلافات والحساسيات الطائفية بين المسلمين عن طريق عرض المشاهد المنحرفة والممارسات الخاطئة للجهلة من أبناء بعض الطوائف، وعن طريق مايسمى بالحوار بين أبناء الطوائف الذي هو أشبه بالمباريات المذهبية بينهم كما سأذكر. 5- الاتجاه نحو ضياع المثل الاعلى عند المسلمين عن طريق حشد هائل من الأفلام والمسلسلات والمقالات والبرامج التي تحوّل المتعاطين مع هذه الوسائل إلى موجودات بيولوجية صرفة لا هم لها سوى البطن والفرج، والمتطلبات اليومية التافهة من الحياة. وضياع المثل الأعلى وسط هذه الزحمة من المثل العليا الهابطة المنخفضة يؤدي أول ما يؤدي إلى تمزق المجتمع، والى أن يفكر كل فرد بهمومه اليومية وبذاته، فتستفحل الذاتيات الضيقة وتؤدي إلى النزاعات الفردية، وقد تأخذ هذه النزاعات أحياناً صفات أخرى كالنزاعات الفئوية والقبلية والحزبية، لكنها في واقعها ذاتية لا تستمد وجودها إلا من الذاتيات الفردية، وليس لها وقود يغذيها سوى الأهواء والشهوات الهابطة. هذا هو واقع إعلامنا في العالم الإسلامي بشكل عام والاستثناء موجود طبعاً ولكنه مغطى بحشد هائل من الضجيج الذي يجعله كالمعدوم أحياناً. الإعلام التقريبي المطلوب المطلوب في عالمنا الإسلامي إعلام: - يخلق وحدة شعورية وعاطفية بين المسلمين في كل أرجاء الأرض. - ويؤكد على الهوية الإسلامية والانتماء الإسلامي. - ويرشّد الصحوة الإسلامية والانتماء الإسلامي. - ويربّي أبناء الأمة على العزة والكرامة والشخصية الإسلامية. - ويضع أمام الجماهير مثلها الحق ويدعوها إلى أن تعبئ طاقاتها للسير نحوه. - ويعالج الحساسيات القومية والطائفية والإقليمية الموروثة، وهكذا الاختلافات السياسية والحدودية بشكل يدفع بها إلى أن تصب في المصلحة الإسلامية العليا. - ويوضح للامة مصيرها المشترك أمام التحديات والأخطار والتهديدات المحدقة بها. - ويكشف عن الخطط الرامية لتزيقها وتذويبها ومصادرة هويتها والانقضاض على استقلالها الفكري والسياسي والاقتصادي. - ويتناول كل ما من شأنه أن يخلق العودة الإسلامية إلى ساحة الحياة. وهل هذا ممكن؟ قد يكون الجواب: لا، ودليل النافين واضح، فإن الحالة السياسية للامة الإسلامية - على رأيهم - بعيدة عن اتخاذ موقف إعلامي يرتفع إلى مستوى المسؤولية. هذا صحيح... ولكن المفردات الدّالة على الإمكان أيضاً موجودة، ولابد من تنضيجها ودفعها إلى النمو، كي تكون فاعلة في القرن القادم.. ومن أهم هذه المفردات. 1- تجربة الإعلام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي تجربة يشوبها الكثير من التخلف والنقص والأخطاء، لكنها بمجملها تجربة جديدة في حقل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، تحاول أن تسير في خطوطها العامة على منهج واحد يستهدف مخاطبة الروح الإسلامية واستثارة المشاعر الإسلامية وتوحيد الصف الإسلامي. 2- فرصة التعاون الإعلامي داخل منظمة المؤتمر الإسلامي. وقد توفّر لهذه الفرصة روح جديدة في دورتها الراهنة، ومن الممكن أن تتواصل هذه الروح لو وضعت قواعد وأسس جديدة لتفعيل أجهزة المنظمة وخاصة أجهزتها الإعلامية. 3- تصاعد الاهتمام العام بين المخلصين من أبناء الأمة في طرح بدائل للإعلام المنحرف الموجود. وتبلور هذا الاهتمام في ظهور إعلام إسلامي يحاول أن يملأ الفراغ رغم ضآلة إمكاناته. 4- تنامي الصحوة الإسلامية، وهي ظاهرة لابدّ أن تفرز إرادة لاعلام ينسجم معها فكرياً وسياسياً. ولابد أن تتبلور هذه الإرادة عاجلاً أم آجلا في مشروع إعلامي إسلامي. 5- ابتعاد الإعلام المنحرف عن الفطرة والجذور، فالإعلام المنحرف قد يثير زوبعة من الجذب والانشداد إليه عبر الاستفادة من دوافع الرغبة في الجديد والحديث والجميل والمثير عند الناس، لكنه سيتبين بعد أمد أنه دعوة رجعية إلى البهيمية وإهدار الكرامة الإنسانية. فتمل منه النفوس، وتتركه وتلفظه، لتبحث عن الجديد الحقيقي لا السرابي، والجميل الواقعي لا الشهواني، والمثير العقلاني لا الغوغائي. وهنا أدعو الباحثين الإسلاميين في حقل علم النفس والاجتماع أن يدرسوا «نظرية الفطرة» كما طرحها القرآن، لنعرف الفرق بين الثابت والزائل وبين الكلمة الطيبة والخبيثة في الساحة الاجتماعية. وقد يتذرع الرافضون لإمكان انبثاق إعلام إسلامي تقريبي موحد بعدم إمكان المنافسة مع الإعلام المنحرف. فالإعلام المنحرف يعتمد على الجنس والإثارة وتقديم الجديد باستمرار بينما الإعلام الإسلامي - كما يتصور هؤلاء الرافضون - يعتمد على الخطاب الوعظي وتقديم النصائح.وهذا تصور خاطئ للإعلام المطلوب. فالإعلام المطلوب يجب أن يواكب الزمن ويقدم الجديد الحقيقي باستمرار لكي يكشف عن زيف الجديد السرابي الذي يقدمه المنحرفون. ويجب أن يمارس «الحكمة» في خطابه وينحو إلى «التي هي أحسن» في سبله وتقنياته الفنية. أما قضية الجنس فاعتقد أن فطرة الإنسان تميل إلى العفّة وحفظ الكرامة وضبط الشهوات شرط أن تحسن مخاطبة هذه الفطرة وأن نستثيرها لتنهض مما ران عليها من ركام انحرافات العصر المادي. أما قضية الإثارة فهي أيضاً مطلوبة في الإعلام شرط أن تستخدم على الطريق الصحيح، وأقف هنا لأشير إلى قضية «الحوار» السائد في الإعلام عامة والفضائيات المرئية في عالمنا الإسلامي بشكل خاص. هذا الحوار يتناول عادة قضية «مثيرة» يشترك في مناقشتها أفراد لهم وجهات نظر مختلفة. أن تكون القضية «مثيرة» هذا أمر لا غبار عليه لأن القناة الإعلامية تستهدف تناول القضايا التي تهم المشاهد وتدغدغ عواطفه ومشاعره وأفكاره. ثم أن تطرح وجهات نظر حرّة ومختلفة في تناول القضية، هذا أيضاً أمر لا ضير فيه ضمن إطار مفهوم «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه» والأمر إلى هذا الحدّ مطلوب أيضاً في الإعلام الإسلامي المتحرك الناهض. لكن الأمر في الفضائيات شي آخر. فباسم الحوار يتحول المشهد إلى مباريات أشبه بمباريات كرة القدم.، وكلما كانت ساخنة أكثر كانت أنجح وأقدر على جذب المشاهد كما هو في ذهن المعدّين لهذه الحوارات. وقد يصعدون السخونة أحياناً إلى حد النزاع والخصام، والفائز في هذه المواجهة عادة مقدم البرنامج الذي استطاع أن يشدّ أعصاب المشاهدين إلى برنامجه لساعات في حالة من التوتر والتشنج، كأنهم يتفرجون على متنازلين في حلبة المصارعة الحرة. والخطورة في هذه المواجهة حينما تطرح قضية ذات حساسية مذهبية أو طائفية، وقد يتعمد مقدم البرنامج إلى طرحها أو قد يعمد أحد المتحاورين إلى طرحها لهدف مبيّت عنده. فتتركز الطائفية بذلك اللهم إلا إذا استطاع المتحاور الآخر أن ينأى عن الدخول في هذا النزاع الطائفي ويركز على رحاب الإسلام الواسعة كما حاول كاتب هذه السطور في إحدى المقابلات الفضائية. الخلاصة دعوة التقريب تحتاج إلى الخطاب الإعلامي كحاجتها إلى الخطاب الفكري والعلمي والإعلام المهيمن لا يخدم هذه الدعوة، فلابدّ من التفكير الجاد في سبل النهوض بـإعلام يقوم على قاعدة من تراث الأمة ومزيجها العقائدي والشعوري ويخدم مصالحها في بناء الإنسان الذي يستشعر العزّة والكرامة والشخصية الإسلامية المتميزة، ويوثق عرى الأمة في إطار الهوية الدينية المشتركة والآمال المشتركة والتحديات المشتركة ويضع أمام الجماهير مثلها الأعلى ويستنهضها للتحرك نحوه. وفي الساحة الإسلامية اليوم أكثر من عامل يساهم في تحقيق هذه الفكرة الهامة. واللّه من وراء القصد.