رابعاً ـ الشروط الشرعية: وأكبر شرط أهمّيةً في عمليّة الحجّ هو وجود قصد القربة في كلّ عمل يقوم به الحاجّ. وماذا يعني هذا الشرط؟ إنّ التقرّب هنا بلا ريب ليس مكانيّاً، فالله منزّه عن المكان، بل هو قرب معنوي. وهذا القرب المعنوي لا يمكن أنْ يصدُق إن لم نتصوّر للإنسان مسيرة فطريّة طبيعيّة يتمّ على أساسها تقدير مدى التكامل، وذلك بمقدار طيِّه هذه المسيرة، أو مدى التراجع على أساس خسرانه الدرجات وانحطاطه طبق قياس الفطرة. وإذا أمكن للإنسان أنْ يصل إلى قاب قوسين أو أدنى فإنّ هناك اُناساً انحطّت بهم نفسيّتهم فعادوا كالأنعام بل هم أضلّ. فالمسيرة فطريّة، والهدف هو الله الكامل المطلق، وهذا يعني: أنّ المسيرة لن تقف عند حدّ، ولن يصل يومٌ يُقال فيه: إنّه الكمال فلا كمال بعده. وهذا ما ابتُليت به الماركسيّة، إذ وضعت حدّاً أعلى للسموّ الاجتماعيّ، ثمَّ صَحَت على قوانين الديالكتيك، وهي تنطفئ في هذا الحدّ الأعلى، فلا يبقى مسوّغ أو أرضيّة أو عامل للتطوّر، وهكذا يقضي الديالكتيك على نفسه في هذا المنطق البشري القاصر. وعلى أيّ حال، فإنّ مسيرة التقرّب إلى الله مستمرة دائماً، تستوعب أنْ يصوغ الإنسان حياته كلّها وسيلةً للتقرّب. وقد رُوي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لأبي ذرّ: «إن استطعت أنْ لا تأكل ولا تشرب إلاّ لله فافعل» ([59]). وفي رواية أُخرى: «يا أبا ذرّ، ليكن لك في كلّ شيء نيّة، حتّى في النوم والأكل» ([60]).