وقف على الصفا حتّى فرغ من سعيه، ثمَّ أتاه جبرئيل (عليه السلام) وهو على المروة، فأمره أن يأمر الناس: أن يحلّوا إلاّ سائق الهَدي، فقال رجل: أنحلّ ولم نفرغ من مناسكنا؟ فقال: نعم، قال: فلمّا وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمروة بعد فراغه من السعي أقبل على الناس بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: إنّ هذا جبرئيل ـ وأومأ بيده إلى خلفه، ـ يأمرني: أن آمر من لم يسُقْ هَدياً أن يحلّ، ولو استقبلت من أمري مثل الذي استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم، ولكنّي سقت الهَدي ولا ينبغي لسائق الهَدي أن يحلّ حتّى يَبلُغَ الهديُ مَحِلَّه. قال: فقال رجل من القوم: لنخرجنّ حجّاجاً وشعورنا تقطر؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما إنّك لن تؤمن بعدها أبداً، فقال له سراقة بن مالك بن جُعشم الكناني: يا رسول الله، علّمنا ديننا كأنّما خُلقنا اليوم، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يُستقبل؟ فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل هو للأبدّ إلى يوم القيامة، ثمَّ شبّك أصابعه بعضها إلى بعض وقال: دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة. وقدم عليٌ (عليه السلام) من اليمن على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو بمكّة، فدخل على فاطمة (عليها السلام) وهي قد أحلّت، فوجد ريحاً طيبة ووجد عليها ثياباً مصبوغة، فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا بهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فخرج علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مستفتياً محرّشاً على فاطمة (عليها السلام)، فقال: يا رسول الله، إنّي رأيت فاطمة (عليها السلام) قد أحلّت وعليها ثياب مصبوغة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أنا أمرت الناس بذلك وأنت يا علي بمَ أهللت؟ قال: قلت: يا رسول الله، إهلالاً كإهلال النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كُن على إحرامك مثلي وأنت شريكي في هَديي، قال: ونزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمكّة بالبطحاء هو وأصحابه ولم ينزل الدور، فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ، وهو قول الله الذي أنزله على نبيّه (صلى الله عليه وآله): (فاتّبعوا مِلّة إبراهيم حنيفاً) ([233])، فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه مهلّين بالحجّ حتّى أتوا مِنى فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء