المقدّمة غير خفيّ أنّ قضية الجهاد عموماً تعدّ من أهمّ القضايا التي شغلت ذهن الإنسان منذ سحيق الزمان، منذ أن وطأ الأرض بقدميه وعرف الحرب وشهد القتال، وما زالت تشكّل الأولوية في قائمة اهتمامات الأُمم والحكومات المعاصرة. ذلك أنّه قد لعب دوراً كبيراً في الحياة العملية للمجتمعات، وفي تغيير ميزان القوى بين الأُمم المتنافسة، لما له من أثر أساسي في تحديد العلاقات بين الأطراف التي غالباً ما تكون متنازعة، مادام هناك منافع ومصالح مختلفة. وقد عُرف «الجهاد» في الحضارات القديمة، كقدماء المصريين، والآشوريّين، وأهل بابل، والإغريق..، كما عرفته الديانات السماوية الكبرى، وضمّته ضمن تعاليمها; لغرض الدفاع عن نفسها، وحفظ وجودها وهي تقارع قوى الباطل الفاتكة. وقد صوّر القرآن شيئاً من ذلك في ثنايا سوره المباركة، كسورة هود مثلاً. ولم ينفرد الإسلام في تقرير الجهاد ضمن تعاليمه، فقد قرّرتها أسفار اليهود وبعض أناجيل النصارى أيضاً. فمن يراجع أسفار اليهود يجدها مليئة بأنباء التدمير والتخريب والملاحقة والقتل، وهي بذلك لا تعارض تشريع الجهاد، بل تقرّها رغم بشاعة صورتها. فقد جاء ـ على سبيل المثال ـ في سفر يشوع / الإصحاح السادس، صفحة (20) و (21) و (24) ذكر حصار يشوع وبني إسرائيل مدينة أريحا، قال: «فهتف الشعب وضربت الأبواق، وكان حين سمع الشعب صوت البوق هتف هتافاً عظيماً، فسقط السور في مكانه، وصعد الشعب إلى المدينة