ولكن على الرغم من هذه الخطّة التي من شأنها أن تقوّم الأمور، إلاّ أنّ التبييت كان أقوى من خطّته، والمكيدة أشدّ من أن تقف في طريقها المبادئ والمثل، فظهرت فكرة الأخذ بثأر عثمان، وأحسن استغلالها استغلالاً يرجّح كفّة الباطل على الحقّ... واشتدّ الخلاف، وأُريقت دماء، وانتهى الأمر بقتل الإمام علي كرّم الله وجهه، بيد مارق من الخوارج هو عبدالرحمان بن ملجم. وهال مقتل «عليّ» الناس فالتفّوا حول ابنه «الحسن» (رضي الله عنه)... ولكنّه لقي حتفه بعد قليل مسموماً، وبعد أن كان سبباً في حقن دماء المسلمين، فقد آثر صلح معاوية ـ على ما فيه من غمط لحقّه ـ على الاستمرار في القتال وإراقة الدماء، وصدق قول جدِّه العظيم عنه: «إنّ بنيَّ هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين من المسلمين»[61]. وبوفاة الحسن استتبّ الأمر لمعاوية قليلاً، فأراد أن يمهّد لولاية ابنه يزيد، فقد سنحت أمامه الفرصة، وتمكّن معاوية من أن يأخذ العهد لابنه قبل وفاته، وبايعه الناس على ذلك ما عدا بضعة نفر، منهم: الحسين وعبدالله بن عمر وعبدالرحمان بن أبي بكر وعبدالله بن الزبير، لذلك كان شغل يزيد الشاغل، حين تولّى الخلافة بعد موت أبيه أن يأخذ هؤلاء بالبيعة. ولجأ الحسين (رضي الله عنه) إلى مكّة معتصماً بها، ولاجئاً إليها من عنت هؤلاء الذين اغتصبوا الحقّ من أهله، وقتلوا أباه، وسمّوا أخاه... وبقي الحسين بمكّة وقتاً جاءته فيه الرسل والوفود من الكوفة طالبين منه الخروج إليهم، فعزم على ذلك، ولكن عزمه هذا أقلق عليه قلوباً تحبّه، وخشيت أن يصيبه ما أصاب أباه وأخاه من الخذلان... ولكن الحسين كان يرى بعين لا يرى بها غيره، إنّه ما زال يحفظ لمكّة قداستها،