ـ(6) ـ
واحدة كما صدع القرآن بذلك:?إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون? (1) مشعراً بأن توحيد الربوبية والعبودية لن يتحققا إلاّ في ظل وحدة الأمة، كما أن هذه الوحدة لا تتم ولا تكتمل إلاّ بهما.
ثم إن الوحدة الإسلاميّة، والأخوة الإسلاميّة، والتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، كل هذه الشعارات المطروحة إنما هي تعبيرات عن مراحل وجود شيءٍ واحدٍ هو: (وحدة الأمة الإسلاميّة) ذات البعد الاجتماعي، والبعد السياسي، بمعنى: توحيد المواقف السياسية.
كما أن الأخوة الإسلاميّة تحكي البعدين: العاطفي والعملي للوحدة والتقريب بين المذاهب يحكي البعد الثقافي والفكري لها،فما لم يتحقق الود والألفة بين آحاد الأمة الإسلاميّة، وما لم يحصل الانسجام بينهم، بحيث يصبح همهم الرسالي هماً واحداً، وشعورهم مشتركاً بالمسؤولية أمام الإسلام والمسلمين، وحرصهم الكبير على المصلحة الإسلاميّة العامة،لا يكون لوحدة الأمة وجود خارجي ينطلق عملياً نحو الأهداف المقدسة، بل تبقى الوحدة حلما لا يتجاوز الواهمة، وشعارا يراوح في عالم الخيال. بيد أن الأخوة الإسلاميّة بدورها تتوقف على حصول أمر آخر ألا وهو التقريب بين المذاهب الإسلاميّة، وهنا لابد لنا أولا من بيان أن المذاهب الإسلاميّة كافة ما هي إلاّ طرق لفهم الإسلام وأحكامه، وليست هي كيانات قائمة في عرض الإسلام ومستقلة عنه. وبعبارة أخرى: يمكننا القول بأنها صور وأشكال نشأت عن الإسلام واليه تنتهي. وهذه التعددية المذهبية إن كان منشؤها الاجتهاد في فهم الإسلام فليس في ذلك ما يدعو إلى العداء والبغضاء، وحصول التنافر والتناحر مادامت المذاهب كلها تستهدف هدفاً واحداً هو الإسلام العظيم، إلاّ أن ما حدث وخلال فتراتٍ ليست بقصيرةٍ كان على عكس ما كان مترقباً ـ ويا للأسف ـ بسبب الغفلة والجهل، فطفحت الخلافات على المستوى العام، وأخذت النعرات العمياء تنخر في
________________________________
1 ـ الأنبياء : 92.