ـ(85)ـ
أبرعه إذ يقول: (ولاية من أوجب الله طاعته) وهذه العبارة لا تبغض أي أحد لا سني ولا شيعي، فكل مؤمن يعتقد أن هناك من أوجب الله طاعته، وفي مقدمتهم الرسول، وأولوا الأمر، ووجه البراعة في ذلك أنه لم يعرض للفصل في مسألة (الولاية) و(الإمامة) هنا؛ لأن المقام لا يقتضي هذا الأمر، ولكنه مع ذلك أتى بعبارة يرتضيها الجميع ولا ينبو عنها أي فكر.
ولقد ذكر المؤرخون لسيرة الطبرسي أمراً عجيباً، ذلك أنه الف كتابه هذا المسمى (مجمع البيان) جامعا فيه فرائد كتاب من قبله اسمه (التبيان) للشيخ محمد بن الحسن بن علي الطوسي، ولم يكن قد اطلع على تفسير الكشاف للزمخشري، فلما اطلع عليه صنف كتابا آخر في التفسير سماه:
(الكافي الشاف من كتاب الكشاف) ويظهر من اسمه أنه أتى فيه بما اطلع عليه من تفسير الزمخشري، ولم يكن قد عرفه حتى يودعه كتابه الأول، ويذكرون اسما آخر لكتاب ألفه بعد ذلك أيضاً وأسماه (الوسيط) في أربع مجلدات، وكتابا ثالثا اسمه (الوجيز) في مجلد أو مجلدين، كل ذلك في تفسير القرآن الكريم ألفه بعد تفسيره الأكبر (مجمع البيان)، وبعض هذه الكتب يعرف باسم (جامع الجوامع) لجمعه فيه فرائد التبيان وزوائد الكشاف.
ثم الشيخ بعد المقاسية بين تفسير الطوسي وتفسير الزمخشري يؤكد على سعة النظر، وسماحة الطبرسي، ويقول:
(ولذلك طربت وأخذتني روعة لصنيع هذا العالم الشيعي الإمامي، حيث لم يكتف بما عنده وبما جمعه من علم شيخ الطائفة ومرجعها الأكبر في التفسير (الامام الطوسي صاحب كتاب التبيان) حتى نزعت نفسه إلى علم جديد بلغه)، وهو: علم صاحب الكشاف، فضم هذا الجديد إلى القديم، ولم يحل بينه وبينه اختلاف المذهب، وما لعله يسوق إليه من عصبية، كما لم يحل بينه وبينه حجاب المعاصرة ـ والمعاصرة حجاب ـ فهذا رجل قد انتصر بعد انتصاره العلمي الأول نصرين آخرين: نصراً على العصبية المذهبية، ونصراً على حجاب المعاصرة، وكلاهما كان يقتضي المعاظمة