/ صفحه 129 /
والصنف الثالث هم المنافقون الحائرون، المترددون بين إيمانهم الظاهر وكفرهم الباطن (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب إليم بما كانوا يكذبون) (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا، وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون). وهؤلاء هم الضالون المتحيرون.
كمال الإنسان بكمال قوتيه:
هذه سورة الفاتحة، ونحن إذا ألقينا إلى ما سبق نظرة إجمالية، وجدنا هذه السورة الكريمة، قد استوعبت ما يتوقف عليه كمال الإنسان وسعادته في الدنيا والاخرة:ذلك بأن كمال الإنسان انما هو باستكمال قوتين: قوة النظر والعلم، وقوة الكسب والعمل، فبالأولى يدرك الحق ويؤمن به، ويغذي به نفسه وعقله وبالثانية يسلك طريق الخير والفلاح، والهدى والرشاد.
والفاتحة تكفَّل نصفها الأول ببيان الحقيقة التي هي أساس هذا الوجود، وأصل السعادة المطلقة بتقرير ربوبية الله للعالمين، ورحمته ورحمانيته، وتفرده بالسلطان في يوم الدين والجزاء، وهذا هو الحق الذي بإدراكه تكمل قوة العلم والمعرفة.
وتكفل نصفها الثاني، ببيان أساس الخطة العملية في الحياة سواء في العبادات أو في المعاملات، فالعبادة لله، والاستعانة بالله، والهداية من الله، وبالتزام طريق الله، والبعد عن طريق الجاحدين المستكبرين، والضالين المتحيرين.
وإن المتتبع للقرآن جميعه، الواقف على مقاصده ومعارفه، يرى أنه جاء تفصيلاً لما أجملته هذه السورة وحددته من طريقي الكمال الانساني في قوتيه.
بهذا كانت هذه السورة (فاتحة الكتاب)، وكانت (أم القرآن)، وكانت هي السورة الوحيدة التي طُلب من المؤمنين أن يقرءوها في كل الصلاة، وفي جميع الركعات، وفي كل الاوقات، ويسرت على لسان كل مؤمن، وأصبحت في الإسلام كأنها (مجمع أشعة) تنير بضوئها كل شئ، وتبسطه على كل شئ.