/ صفحه 26 /
وظيفة الدين في المجتمع
لحضرة الكاتب الكبير الأستاذ أحمد أمين بك
أمتاز القرن الثامن عشر والتاسع عشر بوضع خطّة ترمي إلى أن يكون العلم أساس الحياة، وبشّر الدعاة فيهما بأن العلم هو الذي يزيل شقاء العالم، ويزيد من سعادته، وهو الذي ينبغي أن تبنى عليه كل نظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية. وأدّاهم هذا النظر إلى الاعتقاد (بالجبر) ولكن لا على النحو الذي كان يقول به الأقدمون، وهو أن ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والطبيعية، ترغم الناس على نوع من الحياة لا يمكنهم أن يتحولوا عنه، فالفقر نتيجة طبيعية للنظام الاقتصادي، وسوء حالة الأفراد في بؤسهم وضعف عقلهم واضطرابهم وخرافاتهم وأوهامهم، نتيجة طبيعية للنظم السياسية والاجتماعية التي يعيشون فيها، فإذا تغيرت تغيروا، وإذا حسنت حسنوا.
وهذا حق من ناحية أن الحياة ينبغي أن تؤسس على العلم، فالمشروعات التي تقترح، ونظم التربية التي توضع، وتنظيم الحياة الاقتصادية ونحو ذلك، كلها يجب أن تبنى على العلم والإحصاء والتجربة.
ولكن خطأ هذه النظرية جاء من أن العلم ليس كل شئ، وأنه لا يكفي وحده لإسعاد العالم، فانتشار العلم في أوروبا لم يمنع الحرب وويلاتها وأهوالها ولم يحقق الأمل الذي بشّر به العلماء، ولو خيّر أكثر الناس بين بيت أسس على أحدث طراز من العلم والصناعة فجهز بالراديو والتلفون ومكيّفات الهواء وأدوات الزينة ونحو ذلك وسكنته أسرة فقدت أحد أبنائها في الحرب، وبين