/ صفحه 287/
غطيت ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ بغطاء كثيف يحجب الحقائق في كثير من الأحوال. وفي اعتقادي أن ذلك إن لم يكن مرد التناحر بين المسلمين، فهو أهم عوامل الفرقة والخلاف. ولنضرب لذلك مثلا:
رياسة المسلمين بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام.
اختلف آراء زعماء الصحابة فيمن يلي إمرة المسلمين بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام، فذهب أغلب الأنصار بادي الرأي، إلى انهم أحق بالامرة، ثم رجعوا إلى رأي زعماء قريش الذين قالوا بأولوية قريش، وظل سعد بن عبادة، زعيم الانصار من بني الخزرج مقيما على رأيه وأقسم ألا يبايع الصدّيق، " حتى يناجزهم بأهل بيته ". " ولو أنه يجد القوة لحاربهم حتى ينتصر أو يموت فيعلم حسابه عند ربه " وذلك لأن سعدا رضي الله عنه لم يقتنع بما اقتنع به غيره من الانصار وتبعه في ذلك أهل بيته مجاملة له أو عن رأي. وظل سعد هكذا أمة وحده. لم يبايع لأبي بكر ولا لعمر من بعده. حتى قتل في عهد عمر قتلة يحوطلها شئ من الغموض ـ فمات وليس في عنقه بيعة لإمام على حد تعبير المحدث ابن كُثير.
ومع ذلك كله، لم يحكم ـ أبو بكر ولا عمر ولا غيرهما من الصحابة والتابعين حتى الساعة التي نحن فيها ـ على سعد بن عبادة بكفر أو الحاد أو مروق من الدين، واستقر عند الجميع ان سعدا من ذوى الآراء الذين لا يتراجعون عن رأي لهم بغير حجة ظاهرة واقتناع بيّن، لا سيما والخلاف على أمر سياسي ـ هو إمرة المسلمين، وهو لا يتعلق باصول الإسلام حتى يكون الخلاف فيه، خلافا في الدين، وداعيا للتنابز بالردة أو الكفر ـ بين المسلمين.
سلم الانصار إذن بإمرة المهاجرين واتحدت كلمة المسلمين، ولكن كتّاب التاريخ قالوا: إنه لم تكد تسلم إمرة المسلمين للمهاجرين حتى اختلفوا. فالكثرة قالوا: إنها في قريش عامة دون تخصيص. وقال الهاشميون انهم أهلها وأحق المسلمين بها. ثم رووا لنا في موقف شيخ بني هاشم علي بن أبي طالب رأيين.
أحدهما: أنه امتنع عن بيعة أبي بكر زمنا ما ثم راجع نفسه وبايع لابي بكر قائلا: " كنا نرى لنا في الامر حقا " وثانيهما: أنه لم يمتنع بل بادر إلى بيعة ابي بكر.