/ صفحه 41 /
يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) وبقوله فيما رواه عنه الإمام أحمد في مسنده: (إذا لقيت الحاج فسلم عليه وصافحه، ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته فإنه مغفور له) فهذان الحديثان الصحيحان صريحان في أن الحج طهرة للحاج من ذنوبه وآثامه، ولا ريب في أن أنفع مصالح المسلم أن يطهر نفسه من دنس الآثام، وأن يزيل ما يحجبه عن ربه من حجب عصيانه والخروج عن أمره، فالعبادة التي تمحو ذنوب العابد وخطاياه، وتعيده كيوم ولدته أمه فيها أكبر منفعة له ومصلحة، وفي مناسك هذه الفريضة وشعائرها من الرياضة الروحية، والدروس التهذيبية، ما له أكبر الأثر في تطهير النفوس من الشرور والسيئات، وتهيئتها لرحمة الله وغفرانه، لو عنى الحاج بأن يقوي روحه بهذه الرياضة ويزكي نفسه بهذه الدروس.
فأول ما يبدأ به الحاج مناسك حجه، الإحرام، وإحرام الحاج ينقله من حال إلى حال، ينقله من حياة الزينة والترف إلى حياة الفطرة والتقشف، فهو إذا تطهر ونوى بيت الله، وسأل الله أن ييسّر له حجه ويتقبله منه، وجب عليه أن يتجرد من ثيابه، وأن يقتصر على ستر جسمه بإزار ورداء، وأن ينتعل حذاء لا يستر قدمه، وأن يترك رأسه عاريا، وحرم عليه أن يستعمل طيباً، وأن يحلق شعره أو يقصره أو يرجله وأن يقص ظفره، وأن يجادل أو يرفث أو يفسق، وعلى الجملة حرم عليه كثير من أسباب الزينة والترف التي كانت مباحة له.
وهذا أول درس رياضي تهذيبي يتلقاه الحاج من مناسك الحج، فهو حين يظهر في مجتمع بإزار ورداء عاري الرأس شبه الحافي يشعر بأن كل عظيم هو بين يدي الله خاضع ذليل، ويشعر بأن الناس سواء، وأن مظاهر الزينة والترف التي تفرق بين الناس ليست إلا ظواهر، وأن حقيقة الناس واحدة، وأن الكبر والعجب والخيلاء والتفاخر والتكاثر هي أثار غفلة الانسان، وبهذا
الشعور يتغلب على قهر نفسه، ومحاربة ملاذه وشهواته، ويكثر التفكير في ربه، والندم على عصيانه ومخالفته.