/ صفحه 132/
لقد طغت في هذه الأيام موجة من التهاون بالعلم، وزين للشباب هجر دوره، والتخفف من أعبائه وتكاليفه، ونظر كثيرمنهم إلى المدارس والمعاهد، لا على أنها دور أعدتها الأمة للتزود بالعلم، ولكن على أنها وسائل للحصول على الشهادات الدراسية ثم الوظائف التي تدر على أصحابها المال الرتيب، والحياة الوادعة، ولذلك يقصرون هممهم على التطلع لضمان مستقبلهم، والا طمئنان إلى القيمة المادية التي تقدر بها شهاداتهم، فهم في ذلك يتنافسون، وفى سبيله يجاهدون، ولم يعد أحد يدرس العلم حبا في العلم، وتطلعا إلى التكمّل بالمعرفه، ولم تعد فضايا العلم ومسائله هى الشغل الشاغل للأساتذة والطلاب كما كانت في الماضي، وضعف المشرفون على الطلاب ضعفا ينذر بأسوا، العواقب، وأصبحنا نرى الأمور تتقرر، والمناهج توضع أو تعدل أو تلغى رعاية لمقتضيات بعيدة عن المصلحة، بل منافرة لها، وبهذا كله سارت السياسة التوجيهية في التعليم سيرا عكسيا، فأصبح الموّجهون موجّهين، ومضى الركب العلى يتخبط في طلمات الجهالات، لا يعرف طريقا، ولا يهتدى سبيلا.
هذا هو السر الحقيقى في ضعف الأمة، وهذا هو أساس الداء العضال الذي منيت به، فمن أراد العلاج فليبدأ علاجه من هذه النقطة.
أن أبناء الأمس هم رجال اليوم، وأبناء اليوم هم رجال الغد، فاذا ترادف على الأمة أجيال من أهلها دلك مبلغهم من العلم، وحظهم من الدين، تولوَّا شئونها بأيد ضعيفة، وقلوب واهنة، وعزائهم منحلة، وبهذا تخبو جذوتها، وتركد ريحها، وتسرع إليها عوامل الفساد والضعف حتى تموت، أو تحيا حياة ضئيلة، خير منها الموت والفناء.
إن الأمم ليست بكثرة أفرادها وعديدها، ولكن بروحها وإيمانها وخلقها، ولعمرى إن سبيل ذلك لهو العلم.؟