/ صفحه 82/
ولما علم عمر بن عبد العزيز بأن بعض عمال في فارس يضع الجزيه على الذين يدخلون في الإسلام، حرصا على موارد الخزينة أن تنضب، كتب إليه: تسألني عن أناس من أهل الخيرة يسلمون من اليهود والنصاري والمجوس، وعليهم صلى الله عليه وسلم داعياً، ولم يبعثه جابيا،(1) وقال عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة: يا معشر قريش: أن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلي، وتعظمها بالأباء. الناس لآدم وآدم من تراب، "يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي، وجلعناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
وإذن، فالتوحيد يجمع من يعترف به في رابطة واحدة. يستوي كل أفرادها فيها في جميع الحقوق والالتزامات، هي رابطة العوبودية لرب العالمين، والتسليم بسياإته وحده على الجميع، ثم جاءت الرسالة عامة للجميع لتأكيد سيادة الله على عباده، وتأكيد أن نسبتهم إلى الله واحدة؛ "و ا أرسلناك إلا كافة للناس" "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وكانت هذه الرحمة للعالمين، تخليصهم من الشرك الديني والاجتماعي، وتحرير البشرية من العبودية لغير الله سبحانه وتعالى؛ وبذلك ألغيت جميع الفروق الاجتماعية بين جميع الأجناس، والألوان، والأفراد، فلا شعوبية، ولا قبلية، ولا طبقية.
وجاء القرآن يؤكد أن المسلمين جميعا تتكافأ حقوقهم والتزاماتهم، وتكاليفهم ودماؤهم، وجعل منهم وحدة كاملة متناسقة متجانسة. فوجه خطابه إلى جماعة المسلمين. في كافة التكاليف الايجابية والسلبية، فإنْ خاطب "الناس". في أمر من الأمور العامة، قصد الإنسانية كلها، وخص جماعة المؤمنين، وإن خاطب "الذين آمنوا". فإنه يعني المسلمين في ثوب وحدتهم الجامعة، لا ينظر إلى جنس ولا إي لون، وإن تحدث عن نسبة المسلمين إلى غيرهم من الأمم. قال:
ـــــــــــ
(1) الخراج لأبي يوسف، ص 131، طبع السليفة.