/ صفحة 186 /
ولا يختلف الرجل في حياته العادية عن ذلك كثيراً، فهو في غمرتها لا يجد متسعاً لمحاسبة نفس أو تأنيب ضمير، وهو في انصرافه عن العبادات والطقوس الدينية لا ينعم بسماع موعظة، ولا يتذوق نصيحة، وقد كانت الجمعيات الصوفية والأخلاقية تتدارك بعض هذا النقص، ولكنها بدورها في تلاش وانقراض، ولم تدع لها الأندية الرياضية والجماعات السياسية مجالا فسيحاً.
* * *
هذا هو الموقف في خطوطه الرئيسية، ويبدو منها في وضوح أن الجانب الروحي من الإنسان أضحى في حاجة ماسة إلى تعهد وغذاء، وأخشى ما أخشاه أنه لا يحظى من القادة والمصلحين بما هو أهل له من عناية، وإذا تتبعنا المذاهب والدعوات الجديدة التي قامت في نصف القرن الماضي، وجدناها ـ إلا قليلا ـ تنزع منزعا مادياً، فمن كارل ماركس إلى لينين، ومن موسليني إلى هتلر، إنّما تردد نغمة الكفاح والنظال والفوز والغلبة. أما المثل العليا والقيم الروحية فلا يكاد يقام لها وزن ولا يحسب لها حساب.
* * *
وسأكتفي اليوم بأن أرسل هنا هذه الصيحة، وأشخص الداء آملا أن تتاح فرص أخرى لتتبع شتى أعراضه، ورسم وسائل العلاج.