/ صفحة 202 /
من وافر الزهر ويانعه مما ينبت في كل مكان من بلادهم، ومما نشاهده حتى الآن حول الأكواخ المتهدمة في الدروب الضيقة والدمن الدارسة.
ووجد هؤلاء العرب الرحل في انبساط الصحراء، ما أرضى حبهم للجَمال، مثلهم في هذا مثل البحارة، الذين يطلقون تأملاتهم مع أمواج البحر الفسيح، ويقفون بأفكارهم أمام عجائبه المختلفة المتشابهة.
وبغض النظر عن الوسائل الفنية الأخرى عبّر العرب عن إحساسهم بالجمال قرونا قبل العهد المسيحي، وذلك فيما أبدعوه من قصص خيالي رائع، وفيما نظموه من ألوان الشعر والغناء، وفيما التزموه من دقة صارمة في تعبيراتهم وأساليبهم الكتابية والخطابية، ويرى المعنيون بدراسة اللغة العربية أن قوانين الشعر القديم سهلة بسيطة، وهم لهذا يضعونها في مرتبة فنية رفيعة لما لها من الدقة والتنوع والروعة والحاذبية.
ومن الادعاءات التي يذهب إليها الكثيرون ممن درسوا موضوع الفتوح الإسلامية أن الفن الإسلامي ظهر وانتشر في حركة غير مفهومة، كما يزعم هؤلاء أن العرب لم يكونوا ـ إبان فتوحاتهم الأولى ـ سوى برابرة قساة، أرغموا الناس على اعتناق الإسلام بحد السيف، وحكموا حكما مطلقا مستبداً مستندا إلى أنواع القوة والحيلة.
والمعروف أن الحروب عامة كانت حتى الصف الأول من القرن السابع الميلادي ـ أي حين بدأت الفتوح الإسلامية ـ تقترن بقسوة لا تلين، وتخريب لا يرحم، غير أن العرب اختلفوا عن غيرهم من الفاتحين، فلم يخربوا كما خرب غيرهم، ولم يقيموا المذابح للناس، ولم يشردوا المغلوبين إلى جهات نائية ـ خشية ثورة أوانقلاب ـ بل أبقوا الحال على ما هي عليه، وفضلوا أولئك الذين لبوا نداء الإسلام طائعين على سواهم من أهل البلاد المفتوحة.
ولم يشغل العرب أنفسهم بشيء ـ خلال مدة الفتوح الأولى ـ سوى الحرب والصلاة، ولهذا قل لديهم الوقت الذي يتأملون فيه ألواناً زاهية لحضارة أغريقية