/ صفحة 23 /
أولهما: أن يؤمنوا إيماناً عن بينة وبصيرة، بأنه لا صلاح لهم إلا بهذا الدين الذي صلح به أولهم، وأنهم على حسب ما ينحرفون عن تعاليمه ومبادئه يصابون في بلادهم وأنفسهم وسائر أحوالهم بالضراء وألوان الشقاء.
وثانيهما: أن ينسوا أحقادهم وميراث عدواتهم الذي أورثتهم إياه عوامل الضعف، وعهود الذلة والخوف وتسلط الأعداء، فيعودوا كما تركهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمة واحدة عزيزة كريمة تشعر بعزتها وكرامتها، ولا غرض لها إلا إعلاء كلمة الله، ونشر دينه، والدفاع عن الحق حيثما وجدت لذلك سبيلا.
* * *
إن المسلمين إذا آمنوا حق الإيمان بالأمر الأول، استقر في قلوبهم حب دينهم وحرصوا على أن يسلكوا سبيله في حياتهم، وأن يسيروا على خطته ومنهاجه السديد في كل شئونهم، فإن الإيمان بشيء ما، هو أساس حبه وتوجه الرغبة إليه، والحب الصادق يملك على صاحبه جوارحه وأعماله كما يملك قبله وعواطفه، وعلي هذا الأساس انتصر الإسلام في أوله، فقد شرى المؤمنون أنفسهم وأموالهم لله، وكان الله ورسوله أحب إليهم مما سواهما من المال والولد والنعمة والمتاع، ولولا ذلك ما استقام لهم أمر، ولا تمكنوا ـ وهم القلة الضئيلة الهزيلة المستضعفة ـ من السيطرة على أكبر الأمم في أقصر زمن عرفه التاريخ لأمة ناشئة ناهضة.
وقد سجل الله تعالى هذه الحقيقة في قوله جل شأنه: (قل إن كان آباؤكم وإخوانكم وأبناؤكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين).
فبين بهذا القول الصريح أن أساس الإيمان هو إيثار الله ورسوله على كل ما سواهما بالمحبة الخالصة الصادقة، وأن إيثار شيء عليهما فسق وخروج على أمر الله، لا يهدي الله أصحابه، بل يجعلهم في موضع المتربص المتوقع للبلاء حتى ينزل به، ويأتي عليه.