/ صفحة 245 /
وكان من سوء الحظ أن تدخّل المعتزلة في السياسة ولم يقتصروا على الدين، والسياسة دائماً شائكة، فنصرهم على ذلك المأمون والواثق والمعتصم، وامتحنوا الناس وأكرهو هم على الاعتزال، فكر ههم العامة واستبطلوا الامام ابن حنبل الذي وقف في وجههم، فلما جاء المتوكل انتصر للر أي العام ضدهم، وانتصر للامام أحمد ابن حنبل على الجاحظ وابن أبي دؤاد وأمثالهما، ونكل بهم تنكيلا شديدا، فبعد أن كان يتظاهر الرجل بأنه معتزلى، كان الرجل يعتزل ويختقى حتى عد جريئاً كل الجراءة الزمخشرى الذي كان يتظاهر بالاعتزال ويؤلف فيه، ولم يكن له كل هذا الفضل، لأنه أتى بعد هدوء الفورة التي حدثت ضد الاعتزال.
فلنتصور الآن ماذا كان يكون لو سارالمسلمون على منهج الاعتزال إلى اليوم؟! أظن أن مذهب الشك والتجربة واليقين بعد هما كان يكون قد ربى وتر عرع ونضح في غضون الألف السنة التي مرت عليه، وكنا نَفضل الأوروبيين في فخفختهم وطنطنتهم بالشك والتجرية التي ينسبانها إلى بيكن مع أنه لم يعمل أكثر من بسط مذهب المعتزلة. وكان هذا الشك وهذه التجرية مما يؤدى حتما إلى الاختراع وبدل تأخر الاختراع إلى ما بعد بيكن وديكارت ; كان يتقدم مئات من السنين، وكان العالم قد وصل إلى مالم يصل إليه إلى اليوم، وكان وصوله على يد المسلمن لا على يد الغربيين، وكان لايموت خلق الابتكار في الشرق ويقتصر على الغرب، فقد عهدنا المسلمين بفضل منهج المحدثين يقتصرون على جمع متفرق أو تفريق مجتمع، وقل أن نجد مبتكر اً كابن خلدون الذي كانت له مدرسة خاصة، تلاميذها الغربيون لاالشرقيون.
فالحق أن خسارة المسلمين بازالة المعتزلة من الوجود كانت خسارة كبرى لاتعوض.
ثم بداً المسلمون ينهجون منهج الحضارة الغربية تقليداً من الخارج لا بعثاً من الداخل، وشتان ما بينهما، فالتقليد للخارج بث َّ فيهم ما يسميه علماء النفس مركب النقص، فهم يرون أنهم عالة على الغربيين في منهجهم، ولوكان من أنفسهم لاعتزوا به وافتخروا، ولكن ما قُدَّر لابد أن يكون. ولله في خلقه شئون ؟