/ صفحة 253 /
وعلى النقيض من ذلك عصور المشادة والجهاد التي تحرك أعمق اعماق النفوس وتثير كل تياراتها، وتبتعث رواقدها، لما تتطلبه طبيعة العراك من استمداد كل قوة، وافراغ كل جهد.
ان الاضطهاد العنيف لم يترك في أدب آل البيت أنيناً وشكوى، ولا بكاء ولا عويلا، وإنّما ترك قوة صامدة، وتحقيراً لأمر الدنيا، واعظاماً للجهاد، واكباراً للتضحية.
ولم يكن لآل البيت أسلوب قوى فحسب، بل كانت معانيهم أيضاً قوية، فقد اصطبغت هذه المعانى بالمثل الأعلى للايمان والعقيدة، فاكتسبت رونقا وجلالا وعظمة وجمالا.
ولا غرو فقد قدموا في سبيل هذه العقيدة أغلى ما يمكن أن يقدمه انسان قربانا لعقيدة، وهي أنفسهم الزكية، وأرواحهم الطاهرة، أليس يقول الامام رضى الله عنه:"لنا حق فان أعطيناه، والا ركبنا أعجاز الابل وان طال السرى".
وقد اجتمع له رضى الله عنه في كتاب "نهج البلاغة" ما يجتمع لكبار الحكماء وأفذاذ الفلاسفة، ونوابغ الربانيين من آيات الحكمة السامية، وقواعد السياسة المستقيمة، ومن كل موعظة باهرة، وحجة بالغة، وآراء اجتماعية، وأسس حربية، مما يشهد للامام بالفضل وحسن الأثر.
فأنت واجد في خطبه ووصاياه رضوان الله عنه ملتقى العاطفة المشبوبة والاحساس المتطلع إلى الرحمة والاكبار، فقد كانت حياته وحياة أبنائه سلسلة من الجهاد والصراع والاضطهاد والجلاد.
فكان رضى الله عنه شجاعا غير بغى، قوياً في غير قسوة، سليم الصدر من الضغن والحقد، برى ء النفس من حب الانتقام والغرور، لايتكلف ولايحتال على أن يتكلف، بل كان يقول:"شر الاخوان من تكلف له".
وكان لايعرف غير طريق واحدة هي طريق الصراحة التي تكشف عن قرارة نفسه، فهو في طلب الحق لاتلين قناته، ولا تأخذه فيه هوادة، وهو يربأ