/ صفحة 254 /
بنفسه أن يستهوى الأفئدة بالمداجاة والمقاربة وبذل العطاء كما كان يفعل سواه.
ومن اليسير أن نعرف سياسة الامام بينه وبين رعاياه من غير حاجة إلى الاطالة في التعريف وسرد الامثال. فانها سياسة الرجل الذي شاه القدر أن يجعله فدية للخلافة الدينية في نضالها الأخير مع الدولة الدنيوية، فهى سياسة أقرب إلى المساواة، وأدنى إلى رعاية الضعفاء، فالناس في الحقوق سواه، لامحاباة لقوى، ولااجحاف بضعيف، فالروح الإنسان هو قوام الحكومة الامامية.
فمن آرائه الاجتماعية أنه رضى الله عند قد دعا إلى التعاون دعوة صريحة في عبارة نبيلة حيث قال يودع جنوداً ذاهبين إلى القتال:
"وأي امرىء منكم أحس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد اخوانه فشلا. فليذب ّ عن أخيه بفضل نجدته كما يذب عن نفسه، فلو شاءالله الجعله مثله".
وهو لا يزال يلح في دعوته إلى التعاون، وانه ليسوقها في منطق واضح وحجة لازمة:"أيها الناس انه لايستغنى الرجل وان كان إذا مال عن عشيرته ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم".
فالانسان مدنى بالطبع أوهو كما وصفه فيلسوف اليونان أرسطو "حيوان اجتماعي" ولهذا دعا الامام دعوته.
و ما مربنا من دعوة الامام إلى التعاون، ليس الا بعض دعوته إلى (الحب العام) فان قلبه النبيل قد غمر بهذه العاطفة الشريفة، وثبتها ايمانه القوى المنقطع النظير. وليس هذا بغريب ممن صادق النبي صلوات الله وسلامه عليه وشاطره آلامه وجهاده، فشعر بحلاوة الصداقة، وذاق جمال الأخوة.
وان النزعة الد يمقر الطية في كتاب "نهج البلاغه" أبين من أن تحتاج إلى بيان. فهو فضل العامة على الخاصة، وان سخط الخاصة، وهذا عرفان منه لخطر العامة ومبلغ تأثير هم في صلاح الأمة وفسادها، فقال:
"ان سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وان سخط الخاصة يغتفرمع رضا