/ صفحة 311 /
إلى التصديق بها بالبرهان، وان كان من أهل الموعظة فقد جعل له سبيل إلى التصديق بها بالموعظة، وان كان من أهل الجدل فقد جعل له سبيل إلى التصديق بها بالجدل.
وإذا كان هذا شأن الخلاف في مسائل الأصول، وإذا كانت فرقها ناجية أصابت أو أخطأت، فانه بجب أن يكون الجدال بين هذه الفرق بالتى هي أحسن فلا يتعدى الاقناع بالدليل إلى اثارة الفرقة والخصام، ومحاولة التفريق بين المسلمين ليضعف أمرهم، ويتمكن أعداؤهم منهم، لأن من يقصد إلى هذا لايكون مسلما بل كافراً، ومن يفعله من غير قصد يكون آثما لأنه يضر المسلمين بفعله، ولا يصح أن يعذر فيما
يضر به غيره.
وكذلك لايصح أن يتعدى الجدال بين الفرق حد الاقناع بالدليل إلى الطعن في الدين، والحكم على المخالف بفسق أو اثم، لأنه لافسق ولا اثم في ذلك الخلاف، بل يكون الآثم والفاسق فيه هومن يحكم على المخالف بالاثم والفسق.
وقد سن القرآن الكريم سنة دعوة المخالفين في الدين من المشركين وغيرهم بالحكمة والموعظة الحسنة، فأمرنا أن نجادلهم بالتى هي أحسن، فقال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هي أحسن".
وقال تعالى: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتى هي أحسن". ولاشك أن الموافقين لنا في الإسلام أولى بهذه المعاملة الكريمة عند الخلاف في أمر من أمور الدين، فيجب أن يدعو بعضنا بعضا بالحكمة والموعظة الحسنة، ويجب أن يجادل بعضنا بعضا بالتى هي أحسن حتى لايفرق بيننا الخلاف في الرأى، ولايثير بيننا شيئا من العداوة والخصومة، ومن ميزة الإسلام أنه لم يجعل الخلاف بين الناس في الدين، سببا من أسباب العداوة بينهم، فلو يرض للمسلمين أن يعادوا غير هم لمجرد الخلاف في الدين، ولهذا قال الله تعالى: "لا ينها كم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين" ولاشك أن فرق المسلمين أولى بالموادة فيما بينهم، لأن الخلاف فيما بينهم لايبلغ ما يبلغه الخلاف بينهم وبين غيرهم.