/ صفحة 312 /
ويجب أن يكون هذا أيضاً شأن الفرق الناجية من المسلمين مع الفرقه غير الناجية، وهي فرقة الزنادقة، والهاء في زنادقة عوض من الياء في زنديق، والزنديق فارسى معرب، كان أصله عندهم ـ زنده كردـ وزنده: الحياة، وكرد: العمل، أي يقول بدوام الدهر، ويقال له في العربية: ملحد، ودهرى يفتح الدال، فإذا أرادوا معنى السن قالوا دُهرى بضمها، وقال القاموس: الزنديق بالكسر من الثنوية، أو القائل بالنور والظلمة، أومن لايؤمن بالآخرة وبالربوبية،أومن يبطن الكفر ويظهر الإسلام، وهذا المعنى الأخير هو الذي يناسب عندى الحديث السابق:"تفترق أمتى على بضع وسبعين فرقة، كلها في الجنة الا الزنادقة" لأن الزنادقة بالمعنى الأخير يمكن أن يعدوا من فرق المسلمين بحسب ظاهرهم، بخلاف المعانى التي قبل المعنى الأخير، والزنديق بهذا المعنى يرادف كلمة منافق، وقد ظهر المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يقبل منهم ظاهر هم ويجرى عليهم أحكام المسلمين، ولا يكلف نفسه التفتيش عن عقائدهم، بل كان يقول: "أمرت أن آخذ بالظاهر، والله يتولى
السرائر" وقد روى عدى بن الخيار أن رجلا سارّ رسول الله عليه وسلم، فلم ندر ماساره حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أليس يشهد أن لا اله الا الله؟ قال بلى، ولا شهادة له، قال: أليس يصلى؟ قال: بلى، ولا صلاة له، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أولئك الذين نهانى الله عنهم.
ولا ينافي هذا ما ورد في سورة التوبة من التشدد في أمر أولئك المنافقين، لأن هذا كان في شأن فريق منهم كان يكيد للاسلام والمسلمين، ويقوم بالنجسس عليهم لأعدائهم، ولا يكتفى بما يبطنه من الكفر، فيخون وطنه كما يخون دينه، وخيانة الدين بابطان الكفر يمكن الاغضاء عنها في الدنيا، ولا يمكن الاغضاء عن خيانة الوطن بذلك الشكل، لأن خيانته لدينه بابطان الكفر يعود ضررها على نفسه، وخيانته لو طنه يعود ضررها على غيره، فلا يصح أن يغضى عنها كما بغضى عن الأولى؟