/ صفحة 34 /
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (أرقاؤكم أخوانكم (تأمل) استعينوهم على ما غلبكم، وأعينوهم على ما عليهم).
وقد اقتدى أصحاب رسول الله به، وأنزلوا أرقاءهم المنزلة التي أرادها لهم، على اعتبار أنهم إخوانهم لا عبيدهم. ومن ذلك ما يروي: (أن أبا هريرة رأى رجلا على دابته وغلامه يسعى خلفه. فقال له يا عبد الله احمله خلفك فانما هو أخوك روحه مثل روحك، فحمله، ثم قال أبو هريرة: لا يزال العبد يزداد من الله بُعداُ ما مُشي خلفه).
وقال الإمام الزهري: (متى قلت للمملوك أخزاك الله، فهو حر).
وقد جرى المسلمون في جميح العصور على مبادئ الرحمة لهم، وكان من أظهر ثمراتها: أن كثيراً من الأرقاء وصلوا تحت سلطانهم إلى أعلى المراتب، وأرفع المناصب؛ ومنهم من تولى الملك أيضاً. وهذا أغرب ما نرويه عند ذكر الاسترقاق.
والفضل في هذا كله لخاتم المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فانه لسمو روحه ورجاحة عقله، أدرك أن الاسترقاق عرض زائل لا يمنع أصحاب الكفايات العقلية والنفسية من بلوغ أقصى ما يبلغه أي إنسان من المراتب الأدبية والمادية. وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من طبق هذا على العمل فولى بلالا المدينة، وكان فيها أبو بكر وعمر وكثير من كبراء الصحابة، ولم يمنعه من توليته أنه كان عبداً حبشياً لأبي بكر وهو الذي أعتقه.
فهذه الروح العلوية، ولا أقول العبقرية، هي التي جعلت محمداً محمدا.