/ صفحة 36 /
ضاق تفكيره وانحصرت ثروته الفكرية والدينية في محيط مذهب خاص، لا ينظر في غيره، أو تأثر بعالم أو كاتب لا يستمع أو يقرأ لسواه، وما دام لا يرى الحق إلا ما هو عليه، فهو يعرض عن كل المذاهب بل يهاجمها أن اختلفت مع ما حصله أدنى اختلاف؛ وليس بغريب على أمثال هؤلاء أن يؤمنوا باستحالة التقريب، حتى لو علموا أن التقريب لا يطلب إليهم أن يعتنقوا مذهب غيرهم، أو يتنازلوا عما ثبت عندهم، لأن المحذور لا ينحصر في لك فقط، بل المحذور عندهم التقرب إلى غيرهم، والنظر فيما عندهم، والاطلاع لعي كتبهم وأقوالهم، وهل رساله التقريب إلا الدعوة إلى هذا ليحصل التعارف بين الطوائف، وتقف كل طائفة على ما عند الأخرى؟ وما فائدة تعارف ـ هم في غنى عنه ـ مع من هم عن الطريق مبعدون، وعن الحق معرضون؟
وأما الفريق الثاني، فهم الذين لا يختلطون بالحياة الدينية، ولا يعرفون حقيقة أحوال البلاد الإسلامية، ويظنون أن الفكرة التي تسيطر عليهم، هي نفسها التي تسيطر على غيرهم، ولا يسمعون من هذا وذاك، ويحسبون أنه لم يبق ثمة خلاف، أو يغفلون دور الدين في الحياة، وبالتالي خلافتنا المذهبية، ورجال السياسة والاقتصاد ـ مع الأسف ـ أكثرهم من هذا الفريق.
وفي الناس فريق ثالث، يتمسك بمذهبه ويتشبث به، ولكنه يحترم المذاهب التي تتفق في الأصول معه، بل ينظر فيها بروح الإنصاف ويتعمق في تفهمها، ويقتبس منها ما يصح، ولا مانع من أن يرد على بعض ما يرد فيها أدب واتزان رغبة في إظهار ما هو أفضل لا حرصاً على تسفيه آراء الغير. ومن هذا الفريق تكونت جماعة التقريب في القاهره وأنصار فكرتها في العالم الإسلامي، وعلي هذه الأسس تقوم، وبهذه الروح تسير في الناس، وكلما فُهمت الفكرة ازداد الالتفاف حولها، والدعوة إليها، حتى أننا لنعتقد أنه سيأتي يوم تشمل كافة المسلمين.
* * *
لسنا نرى ما يراه الفريق الأول، ولنا ننكر الخلاف، ولسنا نرى للخلافات آثاراً تستحيل معها مهمة التقريب.