/ صفحة 375/
جموداً، وأكثر تقويماً للحقائق، ووزنا لها بالميزان الصحيح. ومتى سلكوا هذه السبيل ولو قليلا اندفعوا فيها. وبني الخلف على أعمال السلف. فكان لنا من ذلك أدب جديد، وفقه جديد، وعلم جديد، يناسب بيئتنا وعقليتنا.
كم كنت حزيناً يوم قابلني رجلان ألمانيان مستشرقان، فسألني أحدهما: من هو الصوفي المصري الذي يمكنني أن ألقاه وأفهم منه تصوفه، وسألني الآخر: من هو الفيلسوف المصري الذي ألقاه وأفهم منه فلسفته. فكان الجواب مع الأسف بالنفي، فهل أعيش ليمكنني أن أجيب على هذين السؤالين بالإيجاب؟
اننا قد بلغنا في التقليد حداً معيباً، فمن أتى برأي قيل له: من أين أتيت به، والعلماء المصريون والأدباء الشرقيون، منهم من يقلد قدماء الشرق حذو القشرة بالقشرة، ومنهم من يقلد الغرب كل التقليد، حتى ان كل واحد منهم قبل أن يسن قانوناً أو قبل أن ينظم قصيدة أو قبل أن ينحت نحتا، يحوك في نفسه السؤال الأتي: ((ماذا فعل من قبلي في هذا الموضوع، وماذا قال، وأي جهة اتجه)) كأن الله لم يخلق له عقلا..
ان الشرقيين في الحقيقة لا يقلون ذكاء ولا خبرة ولا دينا عن الغربيين، فما الذي أصابهم؟ وكان مقتضى الذكاء أن يكون بجانبه الابتكار، ولكن لعل ضغط الكنيسة على الغربيين جعلهم ينفرون فيبتكرون، وتسامح الإسلام مع المسلمين جعلهم ينامون، وكثيراً ما قالوا ان الضغط يولد الانفجار، والكرة من المطاط، إذا ضربتها فضغطتها ارتفعت بمقدار انضغاطها.
والله على كل شيء قدير.