/ صفحة 60 /
فيه جذورهما، فكانت أول مسألة أثيرت فيه مسألة مرتكب الكبيرة، أثارها الخوارج والسيوف تلمع في أيديهم، والخصام بينهم وبين جمهور المسلمين قد بلغ غايته، حتى كانوا يرعون دم الذمي، ولا يرعون دم أخيهم المسلم، لأنهم كانوا يرون أن مرتكب الكبيرة كافر مستباح الدم، مع أن كفره لو سلم لا يبلغ في القبح مبلغ غيره من الكفر.
ثم ثارت هذه المسألة بين الحسن البصري وتلميذه واصل بن عطاء، ففرقت بينهما، وجعلت التلميذ ينابذ أستاذه ويخاصمه، ويعتزل مجلسه إلى مجلس آخر يكون له فيه أشياع ينابذون ويخاصمون أشياع أستاذه، وقد كان واصل يرى في مرتكب الكبيرة أنه ليس بمؤمن ولا كافر، وإنما هو منزلة بين المنزلتين، يعني أنه فاسق، ولكنه كان يرى أنه مخلد في النار كما كان يرى الخوارج، فيكاد الخلاف بينه وبينهم يكون لفظياً، وقد قيل إن الحسن البصري كان يعد مرتكب الكبيرة منافقا، فإن صح هذا عنه عد منهم، لأنه لم يكن يوافقهم في جعل عليٍ ومعاوية ونحوهما من مرتكبي الكبائر، فكان يحفظ للصحابة صحبتهم، ولا يتنكر لهم كما تنكر الخوارج ونحوهم.
ثم جاءت مسألة الكلام وخلق القرآن في علم التوحيد بعد مرتكب الكبيرة، فزادت فيه النار اشتعالا، وكانت وقوداً صالحا لنار الخصومة بين المعتزلة ومن يخالفهم فيها من أهل السنة وغيرهم، ولا يسما في عهد المأمون ومن أتى بعده من ملوك بني العباس إلى المتوكل، إذ تعصبوا للمعتزله على غيرهم من الفرق، وكالوا بكيلين للرعية التي قاموا بالحكم فيها ليكيلوا لها كيلا واحدا، فكان كل من يقول بخلق القرآن له حظوتهم، وكل من لا يقول به يعزل من وظيفته في القضاء وغيرها وينال ما ينال من العذاب والسجن، حتى انقسمت الرعية عي نفسها انقساماً شنيعا، ونال أهل السنة من الأذى ما لم ينله المخالفون للعباسيين في دينهم.
فلما جاء المتوكل بعد أولئك الملوك قلب للمعتزلة ظهر المحن، وظاهر أهل السنة عليهم، فكال للمعتزلة بمثل ما كانوا يكيلون به لغيرهم، ويقال إنه كان يظاهر فريقاً