/ صفحة 178 /
وقد أحس كلاهما، كسائر الفلاسفة المسلمين، بالحاجة الماسة للعمل على التوفيق بين ما عرفاه من فلسفة الإغريق، وما جاء به الإسلام من عقائد دينية، هذه العقائد التي قررها ودعمها القرآن نفسه، وكان نتاج التفكير الإسلامي في هذه الناحية: ناحية التوفيق بين الدين والفلسفة، وهو بحق معقد الطرافة أو الأصالة في الفلسفة الإسلامية.
وما كان لابن سينا ولا لأي فيلسوف إسلامي ألا يعني بهذه الناحية، إذا حرص على أن يبقى مسلماً، فيما بينه وبين ضميره، أو فيما بينه وبين المسلمين، ما دام ما جاء عن الفلاسفة الإغريق ـ وبخاصة فيما يختص بالإله وصلة العالم به ـ يتعارض مع ما جاء عن ذلك القرآن.
الله في رأي الإسلام هو الخالق لكل شيء، والذي لا يتم شيء إلا بأمره، ولا يدوم إلا بحفظه، والذي يعلم كل شيء مهما صغر ودق، وهو الذي أخرج العالم من العدم للوجود، وخلق كل شيء بلا واسطة أحد من خلقه، وله المثل الأعلى من الصفات التي ينطق بها القرآن في كثير من آياته.
هذا الإله، وهذه صفاته، وتلك أفعاله، لا يمكن أن يتفق مع إله أرسطو، أو (المحرك الأول) بعبارة أُخرى، ولا مع فكرة (الواحد) كما نعرف عن الأفلاطونية الحديثة، والتي دخلت بعد هذا في الإسلام.
ومن ثم، نرى فلاسفة الإسلام جميعاً، من تقدم منهم عن ابن سينا، ومن تأخر، يبذلون جهدهم في سبيل التوفيق بين القرآن والفلسفة الإغريقية كما عرفها وربما كان ما أتوا به من جديد في تاريخ الفكر الفلسفي يتركز في هذه الناحية وحدها.
* * *
هذا، وليس من المستطاع أن نتناول هنا جميع المشاكل الإلهية عند ابن سينا، لذلك سنكتفي بمسألة (وجود الله تعالى وإثباته) ومن الطبيعي أننا سنضطر إلى الإشارة لما كان من رد الغزالي بعنف وعرامة على الفلاسفة ممثلين في الفارابي