/ صفحة 195 /
بينهما حروب، آخرها يوم بعاث، وقد قتل فيه غالب رؤساء الفريقين، ولم يبق من الخزرج إلا عبد الله بن أبي، ولم يبق من الأوس إلا أبو عامر الراهب، فأفنت هذه الحروب رؤسائهم، وألانت نفوسهم، وقربت بينها وبين الدعوة السلمية التي يقوم بها الإسلام، فلما جاء هذا الوفد مكة، جاءهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقال: هل كلم في خير مما جئتم له: أن تؤمنوا بالله وحده ولا تشركوا به شيئاً، وقد أرسلني الله إلى الكافة. ثم تلا عليهم شيئاً من القرآن، فقال إياس ابن معاذ: يا قوم، هذا والله خير مما جئنا له، فحصبه أنس بن رائع، وقال له: دعنا منك، لقد جئنا لغير هذا. فسكت إياس.
فلما جاء الموسم تعرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) لنفر منهم يبلغون السنة، كلهم من الخزرج، وهم أسعد بن زرارة، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر، وعقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، فدعاهم إلى الإسلام، وإلى معاونته في رسالته، فقال بعضهم لبعض: إنه للنبي الذي كانت تعدكم به يود، فلا يسبقكم إليه، فآمنوا به جميعاً، وقالوا له: إنا تركنا قومنا بينهم من العداوة ما بينهم، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك. ثم وعدوه أن يلقوه في الموسم المقبل.
فلما كان الموسم المقبل، قدم منهم إثنا عشر رجلاً: عشرة من الخزرج، وإثنان من الأوس، فاجتمعوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وبايعوه بيعة دينية: ألا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوه في معروف، فإن وفوا فلهم الجنة، وإن غشوا من ذلك شيئاً فأمرهم إلى الله عز وجل، إن شاء غفر، وإن شاء عذب، ثم أرسل معهم مصعب بن عمير وعبد الله بن أم مكتوم، يقرئانهم القرآن، ويفقهانهم في الدين، فانتشر الإسلام بهما بين الأوس والخزرج، حتى لم يكن بينهم حديث إلا أمر الإسلام، ثم ذهب إليه منهم في الموسم ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وكان النبي قد عزم على أن يعتقد معهم معاهدة سياسية يهاجر