/ صفحة 194 /
تابعناك على أمرك، ثم أظهرك الله علي من خالفك، أيكون لنا الأمر بعدك?
فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): (الأمر بيد الله يضعه حيث يشاء) فقال بيجرة: أفنهدف نحورنا للعرب دونك، فإذا أظهرك الله كان الأم لغيرنا! لا حاجة لنا بأمرك.
ولو تمت هذه المعاهدة لكانت معاهدة هجومية، يراد منها كشن حرب على العرب لأكل الأموال، والاستيلاء على الغنائم، وإقامة ملك عليهم لبني عام)، يتولاه بيجرة بن فراس أو غيره من رؤسائهم، والإسلام لا يريد مثل هذه الحروب، وإنما يريد أن يتمكن من الدعوة إلى رسالته بالنبي هي أحسن، فلا يلجأ إلى الحرب إلا إذا كانت دفاعية لا هجومية، وكذلك لا يريد الإسلام من دعوته أكل أموال الناس، ولا يريد الإستيلاء على المغانم، ولا يريد إقامة ملك لقومه أو لغيرهم من قبائل العرب، وإنما تأتي المغانم فيه عرضاً في حرب من الحروب المشروعة، فتكون تعويضاً عما خسره فيها من النفوس والأموال، أو تأديباً لمن أعتدى بها عليه من غير حق، ليكف عنها في المستقبل، ولا يعود بعدها إلى الإعتداء، وكذلك يأتي الملك والسلطان فيه عرضاً، لأنه لابد لكل جماعة من سلطان يدبر أمورهم، ويسعى في مصالحهم،ويمنع قويهم من ضعيفهم، ويضرب على أيدي المفسدين فيهم، ولا ينافي هذا ما أتى في القرآن من وعد الله للمسلمين أن يمكن لهم في الأرض، وأن يستخلفهم فيها على غيرهم، لأن هذا الوعد لا يتعدى أن يكون جزاء لهم على صلاح حالهم بالإسلام، وهذه سنة الله تعالى في المسلمين وغيرهم، كما قال تعالى في الآية ـ 105 ـ من سورة الأنبياء: (ولقد كتبا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) أي الصالحون لعمارتها بعدلهم واستقامتهم، وبإيمانهم وطاعتهم لربهم، فلم يكن هذا الجزاء مقصوداً بهم من أول الأمر، وإنما كانوا مخلصين لربهم في جهادهم، فجازاهم بذلك في دنياهم على إخلاصهم.
ثم كان بعد رفض تلك المعاهدة، أن قدم إلى مكة إياس بن معاذ، وأنس ابن رافع مع جماعة من الأوس، ليحالفوا قريشاً على الخزرج، وكانت قد قامت