/ صفحة 193 /
من أسرار السياسة النبوية
في معاهدتين
لحضرة صاحب الفضيلة الشيخ عبد المنعال الصعيدي
الأستاذ بكلية اللغة العربية
عرضت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو بمكة معاهدتان: إحداهما من بني عامر، والثانية من الأوس والخزرج، الذين عرفوا بعد الإسلام باسم الأنصار فرفض النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) المعاهدة الأولى، وقبل المعاهدة الثانية، مع أن بني عامر كانوا أسبق إلى عرض معاهدتهم من الأوس والخزرج، ومع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان في أشد حاجة إلى من يعاهده ليحميه من أعدائه.
وبيان السر في هذا من أسرار السيرة النبوية المملوءة بنفائس الأسرار، المفعمة بدقائق الحكم، وفي معرفتها هدايتنا فيما يحيط بنا من حوالك الخطوب، ونجلسا مما نزل بنا من المصائب، ولكن المسلمين ابتلوا بمن لا يبصرهم هذه الأسرار، ولا يهمه من دنياه إلا دناً الجاه والمنصب، فإذا ظفر بها كان شراً على المسلمين من أعدائهم، وويل لهؤلاء الذين لا يهمهم إلا أنفسهم، يوم يتنبه المسلمون من غفلتهم ويعلمون من كانوا سبباً في وقوع هذه المصائب بهم.
لقد عرض النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) نفسه في موسم من مواسم الحج على القبائل فأعجب به رجل من بني عامر يقال له (بيجرة بن فراس) بهره ما رآه من فصاحته، وما شاهده من قوة جنانه ورباطة جأشه، فقال: والله لو أني أخذت هذا الفتى من قريش لأكلت به العرب، ثم قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم): أرأيت إن نحن