/ صفحة 72 /
فكان من حقهم أن يقولوا: ان كل واحد منا يقدر على هذه الفصاحة، ولكن صار ذلك الآن متعذراً علينا، لأنك سحرته عن الاتيان بمثله، فلما لم يقولوا ذلك دل على فسادها.
قلت وفي النفس من قول صاحب الطراز شيء. فان قول خصمه فيما يبدو لنا أقوى وأولى بالنظر، هذا مع التسليم بأن مذهب القائلين ان العرب كانوا قادرين على مثل القرآن، فقد بينا أنه ليس فيمن تعرضنا لهم الا ابن سنان.
وقد ذكر صاحب "المقاصد" أيضا شبهتين للقائلين بالصرفة وأجاب عنهما كما ذكرهما صاحب الطراز.
(الأولى) أن العرب كانوا قادرين على التكلم بمثل مفردات القرآن ومركباتها القصيرة مثل الحمد لله ومثل رب العالمين وهكذا فيكونون قادرين على الاتيان بمثل السورة.
(الثانية) أن فصحاء العرب عند جمع القرآن كانوا يتوقفون في بعض السور والآيات إلى شهادة الثقات وابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قد بقى متررداً في الفاتحة والمعوذتين، ولو كان نظم القرآن معجزاً بفصاحة لكان كافيا في الشهادة. وأجاب عن الأولى بأن حكم الجملة قد يخالف حكم الأجزاء، ولو صح ما ذكروه لكان كل من آحاد العرب قادراً على الاتيان بمثل قصائد فصحائهم، وأجاب عن الثانية بعد صحة الرواية وكون الجمع بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لا في زمانه، وكون كل مستقلة بالاعجاز، بأن ذلك كان للاحتياط والاحتراز عن أدنى تغيير لا ينحل بالاعجاز، وأن اعجاز كل سورة ليس مما يظهر لكل أحد بحيث لا ينبغي له تردد أصلاً.
هذا، ولو ذهبنا نستقصى كل ما قاله القدماء والمحدثون حول هذا المذهب لامتد بنا نفس القول فنكتفى بهذا القدر، مع التأكيد أن أحداً من المتقدمين أو المتأخرين لم يعن بهذا المذهب العناية الكافية، ونحن لم نجد من المراجع ما نستطيع به أن نجلو هذا المذهب وأن نقيم أصوله ونذكر كل ماله وما عليه، والتوفيق من الله.