/ صفحة 99 /
وتعرضت الكنيسة لهجماتها في نواح كثيرة، وبذلت المحاولات لايجاد نوع من التوافق بينهما، كتغيير موعد الاحتفال بعيد ميلاد المسيح من ليلة السابع من يناير إلى ليلة الخامس والعشرين من ديمسبر، وهي ليلة عيد ميلاد "مثرا" ذاته، الذي كان يتم الاحتفال به باضاءة الاشجاء بالشموع رمزاً لرغبة الإنسان الصادقة في المساهمة بنصيب في مساعدة مثرا ليستطيع أن يمحو بضوئه ظلمه أطول ليلة في العام، وليحل محلها النور والخلاص. غير أن عبادة مثرا لم تلبث هي الأُخرى أن حوربت كما حوربت المانوية من قبل.
ثم تحول الفرس إلى الإسلام عقب الفتح العربي لبلادهم، واعتنقوا المذهب الشيعي، ووجد التصوف بين الفرس المسلمين بيئة صالحة للانتشار والازدهار مدة من الزمان.
واذن، فالزخرفة النباتية (وهي ما يسمى الارابئك) التي تعد صفة مميزة للفن الفارسي قبل أن تصير صفة مميزة للفن الإسلامي، والتي يصعب تحديد بدايتها في جدار مبنى أو صحيفة كتاب، ولا يكف تنتهى فجأة حين تحول نهاية السطح دون استمرارها، إنما ترمز إلى فكرة الزمن والفضاء اللانهائي وقصور المعرفة الإنسانية عن ادراك حقيقتهما.
على أن الفرس قنعوا بقبول الأشياء قبولا عاطفياً، ورضوا بذلك مادام فيه رضا لاحساساتهم، وصرفوا النظر عن ادراكهم لها ادراكا عقليا كاملا. ومن يدرى فلعلهم كانوا على علم ببعض نظريات المدرسة الايلية الفلسفية، ففي منتصف القرن الخامس قبل الميلاد قال برمنيدس وزينون في كلاهما عن المادة:
ان الحقيقة الوحيدة هي ما أطلقوا عليه "الديمومة"، وهي العلة المجرة التي جرى هيجل وراء البحث عنها دون جدوى، والتي تعتبر أصلا لجميع الأشياء. واذن فان ما ندركه حسيا ليس له من الحقيقة غير ما نضفيه نحن عليه.
ملك الفرس زمام لغتهم الجميلة، واستخدموها استخداما صحيحاً طليا، ولو أنهم أرادوا أن يجعلوا لها قواعد وقوانين كما فعل الاغريق بلغتهم، لأمكنهم ذلك