/ صفحة 140/
طريق، هذه المرأة المسكينة صيدها وسلعتها، وفريستها ومتعتها، تخدع عن نفسها حيناً فتضحك، وتعرف امرها حينا فتبكى. وهي بين الضحك والبكاء، مفتونة مغلوبة، مخدوعة مسلوبة، لا تجد في السوق الصاخبة والفتنة الغاصبة وقتاً لتفكير ولانهزة لتدبير، والناس يعجبون ويضحكون ولا يبكون انى والله لارثى للنساء وحق لهن الرثاء.
* * *
قياس الزمانة:
يقيس الإنسان زمانه بالسنين والشهور، وبالايام والساعات فيرى الزمان سريع المر شديد الجرى، لا يكاد يجاريه حسابا وعداً، وهو في غم وكآبة من اسراع هذا الزمان وعدوه،و في هم من نفسه بما يرى مر الزمان نقصاً في عمره، ومضيا في حياته، واقترابا إلى أجله. كما قال طرفة:
أرى العمر كنزاً ناقصاً كل ليلة *** وما تنقص الايام والدهر ينفد
وكما روى أن الحجاج أنشأ أو تمثل بهذاالبيت حين بلغ الخمسين:
وان أمرا قد سار خمسين حجة *** إلى منهل، من ورده لقريب
وكم قال الشعراء في مضى الزمان، وسرعة الدوران، دوران الفلك والاعوام.
ذلك لمن وعى الزمان كنهر جار، أو قطار مسرع، يسيران إلى غاية قريبة أو بعيده، والناس سائرون بسيرهما منتهون إلى غايتهما; ولكن من استطاع ثباتاً في التيار وانحيازاً إلى الشاطىء، واستقل بفكره وعمله، ولم يعد نفسه عوداً في نهر يجرى به غير مختار، فهذا الإنسان هو الزمان، وحساب الزمان بفكره وعمله. هو لا يعد ساعات وأياماً، ولكن أفكاراً وأعمالا، وهو لايحسب سنين التوالية، ولكن آراء وأفعالا تؤرخ بها العصور ولاتحدهي بالعصور; إذ كانت أعماله قوانين يتبعها، وسنناً يسير عليها، لا نزعات وقت وأهواء ساعة.
ان من ساير التيار واستسلم للزمن فانما ينسج على نفسه شبكة الليل والنهار،