/ صفحة 247/
((ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون)) وقد ذكرت هذه القاعدة في سورة الحج بما يدل على عمومها في الدين كله ((و جاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل، وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير)) .
وجدير بمن ينظرون في أحكام الدين ويعالجونها ويدعون الناس إلى اتباعها أن يجعلوا هذه القاعدة الالهية التى وضعها الرحيم بخلقه نصب أعينهم، فلا يحملهم ضيق الصدر، أو حب الظهور بالمخالفة على الاعنات والمشاقة التى كثيرا ما تصرف عنهم وعن بيانهم وارشادهم، وربما تفاقم الأمر فكرهوا الدين، وكرهوا أحكامه، فرارا من التنطع والمشاقة، وارادة قهر الناس بما لا يصحح لهم عبادة ولا يزكى لهم نفسا، ولا يرقى لهم حياة ((يسروا ولا تعسروا)) وقد كان النبي يختار أيسر الامرين إذا خير، فهذه هي قاعدة الدين، وهذا هو شأن الرسول في علاج الأُمة وتعليمها، فإن كنتم تحبون الله فاتبعوه، والا كنتم منه على جانب، وكان منكم عمله وشرعه على آخر.
نعمة الله على المؤمنين وميثاقه الذي واثقهم به:
ثم انتهزت الآية فرصة رحمة الله في التشريع بعباده المؤمنين، وطلبت منهم أن يذكروا نعمة الله عليهم به من جهة انقاذهم من الشرك والوثنية، ومن جهة تآلفهم وتطهير قلوبهم من العصبية والبغضاء، ومن جهة ما أفاض عليهم من تشريع لو أحسنوا سياسة أنفسهم به لظل مدد العز الالهى واصلا إليهم، وحافظا لهم من التدهور والانتكاس ((و اذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله ان الله عليم بذات الصدور)) .
وإلى اللقاء في العدد المقبل ان شاء الله. ولعلنا نبدأ الكلام بشيء من البيان لهذا الميثاق الذي واثق الله به المؤمنين، وربط به هذا التشريع الحكيم.