/ صفحة 249/
كل هذه المعانى تمر بعقول الناس حين يسمعون لفظ الديمقراطية، وقد تختلط معانيها في أذهانهم، لهذا كان من الواجب أن نعرف كيف نشأت الديمقراطية وأين نشأت وكيف تطورت إلى معناها في زمننا الحاضر، وما هو الوضع الذي يجب أن يفهم فيه معنى الديمقراطية الحقة.
* * *
كان الناس يعيشون في الازمنة الغابرة في ظلمات الجهل والاستبداد المطلق، يحكمهم الحاكمون بالعسف والقهر، وكانت الرعية ترزح تحت أثقال المظالم والجور، وفي تلك الازمنة الغابرة هاجرت قبائل من آسيا الصغرى تلتمس العيش في بقاع غير موطنها، واستقر بها النوى في شبه الجزيرة المعروفة الآن ببلاد اليونان، وهي بلاد يلامسها البحر من ثلاث جهات، ولا تتصل بأوروبا الا من جهة الشمال، وهي تشبه كف الإنسان بأصابعه المنبسطة فوق الماء وفي وسط هذا الكف خليج يكاد يكون كالسوار في المعصم يتصل بالبحر أيضا من جهته القريبة.
وفي تلك الاصقاع جبال ووهاد، وقد اتخذت كل قبيلة مكانا لها، وأصبح اتصال بعضها ببعض شاقا الا بواسطة البحر، ولم تكن طبيعة أرض هذه البلاد من الخصوبة بحيث تكفى مواردها الزراعية حاجة سكانها.
لهذا اضطرت الحاجة هؤلاء الناس إلى التفكير واعمال الحيلة للحصول على العيش، فهداهم ذلك إلى الاهتمام بأمور الملاحة والتجارة وبعض الصناعات، وكلها أمور تدعو إلى بذل الجهد الجسمى والفكرى.
وكان من نتائج هذا كله أن تكونت مدن مبعثرة في بلاد الاغريق مستقل بعضها عن بعض، ولما كان اللفظ الدال على المدينة بلغتهم هو ((پوليس)) فقد اعتادوا أن يسموا بعض المدن في البلاد التى أنشئوها بلفظ مركب أحد جزايه كلمة ((پوليس)) والجزء الاخر إسم اله عندهم أو حيوان أو نحو ذلك، وهكذا سموا: مدينة الذئب، ومدينة التمساح، ومدينة الثعلب... الخ.