/ صفحة 34/
أسَاسُ الشُعُور بِالمَسْئوْليَّة
لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الدكتور محمد عبد الله دراز
عضو جماعة كبار العلماء
أخشى أن تصبح كلمة ((المسئولية)) في عرقنا ـ كلمة مستكرهة، لكثرة ما استخدمت أخيراً في أوضاع معينة، توحى بعض المعانى الرهيبة أو المهيبة.
فأكثر ما تستعمل هذه الكلمة اليوم في وضع يَشعر المسئول فيه بشيء من القلق والخوف، إما توقعاً لجزاء مادّى، كموقف المتهم أمام القاضى، وإما توقعاً لحرمان أدبى، كموقف الممتحن أمام لحنة الامتحان.
لكن الواقع أن فكرة المسئولية في أساسها ومنتها، ليست لها هذه الدلالات المزعجة، وان كانت في بعض أطوارها وملابستها تحوم حولها هذه المعانى.
تفصيل ذلك أن المسئولية صفة تلازم صاحبها في فترة ممتدة ذات طرفين: بداية ونهاية; وأن لها في كل طرف منهما معنى خاصا، ودلالة معينة. فالمسئولية تبدأ حين يطالبك الواجب، وينادلك منادى العمل، وتنتهى بعد أن تقدم حسابك عما صنعة في جواب ذلك الدعاء، وبين هذين الطرفين برزخ يطول أو يقصر، على حسب المدة المقدرة لاتجاز عملك.
ههنا اذن ثلاث مراحل، مرحلة نداء الواجب ايانا، ومرحلة إجابتنا هذا النداء، ومرحلة المحاسبة والتقدير لقيمة هذه الاجابة.
ولنكتف الآن بالمرحلة الأولى من هذه المراحل، وهى مرحلة الواجب ايانا بالعمل. وسنرى أن فكرة المسئولية في هذه المرحلة توحى الينا معنى القوة لا الضعف، وأنها تبعث في نا شعور السيادة واليد العليا، لا شعور الرهبة أو الهوان.