/ صفحة 389/
في النقد، فلا تراه يعوّل على غير طرق النقد العربى وأصولها، وإنّما كان مجاله توسيع منطقة النقد، بطرق اتجاهات لم تكن مألوفة، وبتنظيم النقد وتعمقه وتحليله تحليل الدارس الواصل، والخبير الذواقة.
وعلة ذلك واضحة، فإن الدكتور طه لم يدرس الادب الغربى، الا بعد أن قتل الادب العربى بحثاً ونفذ إلى أسراره من جميع شعابها ومداخلها، ولو أنه رأى في تطبيق طرق النقد الاجنبى خيراً لفعل; ولذلك طرحه من حسابه وأهمله، كمافعل العباسيون من قبل حينما ترجموا علوم الاوائل، ومالوا عن ترجمة الادب، لأنه خلق لاذواق غير أذواقهم.
ويحلولى هنا - والشىء بالشىء يذكر - أن أقول: ان من آيات ايمانى بالدكتور طه حسين، أننى حينما نقلت إلى كلية اللغة، عهد إلى أحد زملائى من الاستاتذه في الكلية الآن، والىّ معه، تدريس الادب الجاهلي، فاتفقنا على أن نتعاون في التحضير; فكنا نقطع الليلتين وثلاث الليالى أحياناً في تحضير موضوع، نرجع فيه إلى أكثر ما نعرفه من كتب الاقدمين، حتى إذا انتهينا فيه إلى شيء يحسن السكوت عليه، قرأنا ما كتبه فيه الدكتور طه حسين; فكنا نرى - والعجب يملك علينا أنفسنا - أنه قد ألم بكل مراجعنا، ونفذ إلى مصاصها، وكثيراً ما كان يزيد شيئاً لانعرف مصدره، فنفيده منه، أو نعاود بحث الموضوع من جديد، ونحن نردد: في كل واد أثر من ثعلبة!
***
نحن نعترف - آسفين - أن شعر المناسبات بالمعنى المتعارف عند نقاد العصر; أكثره مما يغثى النفس، ويبغض في الشعر والشعراء; ولكن ليس السبب أنه تنقصه العاطفة، فإن الرغبة في الظهور وفي شيوع الذكر، وذيوع الشهرة، من أقوى العواطف; وليس أفعل في النفس من الكلمة المطبوعة; ويضاعف أثرها أن تكون منظومة; ولقد مررنا بهذا الطور، وجربنا مبلغ انفعالاته، وشهدنا آثاره عند غيرنا، كما شعرنا به في أنفسنا; فأنكاره مكابرة كاذبة.