/ صفحة 390/
ولقد كانت الشهرة عاملا فعالا في الشعر، حتى عند فحول شعرائنا من شوفي ومن قاربه; فإن من المتعالم المشهور، أن الشاعر منهم كان يتوقع الحادث من الحوادث، فيستعد له قبل كونه، بنظم قصيدة فيه، حتى إذا وقع، كانت معدة للنشر، أو لا يعوزها الا بعض ((الرتوش)) .
ومن أشهر المثل على ذلك، مرثاة شوقى للمغفور له سعد زغلول باشا; فإن الادباء في ابان ظهور هذه المرثاة، أنكروا على الامير أن يقول في ((سعد)) :
شيّعوا الشمس، ومالوا بضحاها *** وانحنى الشرق عليها فبكاها
ليتنى في الركب لما أفلت *** يوشع; همت; فنادى، فثناها
لأن هذا المطلع، برثاء النساء أشبه:
وظهر - بعد البحث - أن أمير الشعراء كان يتوقع موت أم المحسنين والدة الخديو عباس، فأعدّ لها هذه المرثاة، أو أكثرها; فلما توفي سعد قبلها، قلبها رثاء فيه; ويؤيد هذا أن في القصيدة أبياتاً غير المطلع، واضحة في نعت هذه السيدة مثل قوله:
كفنوها حرة علوية *** كست الموت جلالا وكساها
مصر في أكفانها الا الهدى *** لحمة الاكفان حق وسداها
خطر النعش على الأرض بها *** يحسر الابصار في النعش سناها
جاءها الحق، ومن عاداتها *** تؤثر الحق سبيلا واتجاها
ما درت مصر بدفن صبحت *** أم على البعث أفاقت من كراها
وقوله في ختامها:
في نعيم الله نفس أوتيت *** أنعم الدنيا فلم تنس تقاها
ذهبت أوابة مؤمنة *** خالصاً من حيرة الشك هداها
آنست خلفاً ضعيفاً ورأت *** من وراء العالم الفانى الها