/ صفحة 68/
من الصرف عن تركز التفكير في معارضة حكم الواقع بالانتقام من الشريك صاحب الحظ الحسن، فهى تبعده عن الحفظية والحقد على الغير، لانها متنفسه عند الحرج وسلواه إذا استحكمت منه الازمة. كلتا الحياتين ترتبط احداهما بالاخرى على سبيل الضرورة، أو تكمل احداهما الاخرى كحلقتين في وجود الإنسان والجماعة. وهكذا بحياة الامل تطيب النفوس بحياة الواقع أو تسلم بما يسيطر عليها من قانون وهو طبيعة الجماعة نفسها، والحكمة القائلة: ((لا حياة بدون أمل)) تصور الطبيعة الإنسانية تصويرا واضحا.
إن غريزة ((السعى)) لدى الإنسان هي أساس حياة الامل عنده، أو الامل مظهر من مظاهرها، كما أن غريزة ((حفظ البقاء)) هي التي تحتم عليه البقاء في حياة الواقع. لكن الرضاء بهذه الحياة الاخيرة منوط بالامل: الامل في أن يصحّ إذا كان مريضا، وفي أن يثرى إذا كان فقيرا، وفي أن يعرف إذا كان قليل الحظ من المعرفة، وفي أن يطمئن نفسا إذا كان قلقا مضطربا... الخ.
ويفترق فرد عن آخر هذين النوعين من الحياة - بعد وضوح ضرورتهما لوجود كل فرد من أفراد الجماعة الإنسانية - في أن فردا مثلا يمكث طويلا في حياة الامل والاخر يقصر مكثه فيها، أو أن حياة الامل عند واحد فسيحة الارجاء، وعند ثان ضيقة الجوانب، أو أنها عند انسان كثيفة الحجاب بحيث لايراه فيها غيره دون امعان في البحث عنه، وعند آخر رقيقة الظلال بحيث يشهده العابر أو قليل الصلة به، وهو طيب المقام فيها. والعادة أن الذي تطول اقامته في حياة الامل تتسع رقعتها أمامه، وسرعان ما ينكشف أمله لغيره بعض الانكشاف لأنه لا يأمن لطول اقامته فيها أن تجذبه منها حياة الواقع بعنف فتهز ظلال الامل فوقه فيرى بين المقنع والسافر.
وهكذا الذي يعيش في الامل طويلا ينسى نوعا ما حياة الواقع، ومن ثم يتحدث عن آماله كأنها من حياته الواقعة وهو بدل أن يحكى أن له رغبة في أن يقوم برحلة عالمية مثلا يقص على المستمع له بصيغة الماضى مناظر الطبيعة التى