/ صفحة 98/
المصلحين، قاصرة عن تقديم مقومات النهضة المنشودة، ولهذا اسقطتها النهضة من حسابها.
الأمر الثانى: هو ربط الدين برجال الكنيسة، بحيث لا يرى الدين دينا الا عن طريق هؤلاء، ثم السلوك السىء جدا الذي كان عليه البابا ورجال الكنيسة جمعيا; لقد كان التعليم كفرا، لأنه وسيلة الثورات، استغلوا جهالة الشعوب وسيطروا على العقول باسم الدين، وجمدوا الفكر باسم الدين، وحرموا النظر والبحث في الدين نفسه، وليس لاحد أن يفهم من الدين الا ما يفهمه له رجال الكنيسة، حتى ظل الدين في الحقيقة مجهولا للمتدينين لا يعرفون حقيقته، هذا من ناحية، ومن أخرى فقد أغرف البابوات وكبار رجال الدين أنفسهم في المتع المحرمة والشهوات الفاجرة، وفاق ما ارتكبوه من المنكرات كل ما ارتكبه معاصروهم من الملوك وذوى الاقطاع، ويكفى أن تقرا خطبة واحدة للقسيس الثائر الفلورنسى ((سافونا رولا)) لتعلم ما وصل إليه رجال الكنيسة، فلما لم تجد الشعوب ولم يجد طلاب الاصلاح المدنى من رجال الدين قدوة حسنة أسقطوهم ايضا من الحساب.
وقد كان يقابل هذا الانحلال الديني والخلقى في رجال الكنيسة، قوة جبارة سيطرت على الاغلبية في الشعوب، ووجهت الحياة كلها بروحها، وهي القوميات التي تجمعت وتكتلت ثم ظهرت على مسرح السياسة الاوربية، واندفعت كل قومية إلى التحرر من سيطرة الملوك والاباطرة الاجانب، وسيطرة رجال الكنيسة على السواء، وكان نضالها شاقا وعنيفا ضد المستعمرين ورجال الكنيسة.
ولقد خلقت الحركات القومية في أوربا أثناء كفاحها ليسطرة الاجانب والكنيسة فكرة جديدة هي فكرة فصل الدين عن السياسة، وابعاده عن توجيه الحياة الإنسانية الحرة، وقصرة على ما فهم منه إذا ذاك من طقوس ومراسم خاصة، واعتباره أمرا شخصيا يهم الشخص وحده، وكانت حجة القوميين إذ ذاك قائمة قوية: لأن الدين المسيحى لايسعفهم باالتشريع الذي يريدونه لمواجهة شئون السياسة، وأمور الاجتماع في العصر الجديد، ولأن رجال الدين المسيحى