/ صفحه 302/
وقد أخذ الجمهور بهذا الحديث، وذهبوا إلى تحريم ابتداء المسلم لليهودى والنصراني بالسلام، وحمل بعضهم هذا النهي على الكراهة، وخالفهم طائفة منهم ابن عباس فذهبوا إلى جواز ابتدائهم بالسلام، واحتجوا بعموم قوله تعالى: "و قولوا للناس حسنا" وبأحاديث الأمر بإفشاء السلام، لانها جاءت عامة لا تخصيص فيها والحق في هذا مع تلك الطائفة التي فيها ابن عباس، وقد كان أدرى بالاسلام سماحته من أبي هريرة، ولا شك أن من يذهب إلى جواز ابتدائهم بالسلام ولا يأخذ بصدر الحديث في النهى عن ابتدائهم به، لا يأخذ بآخره وهو. "و إذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقة" لانهم إذا دخلوا في عموم قوله تعالى "و قولوا للناس حسنا" لم يجز الاساءة إليهم بهذا الفعل، لان إساءة الفعل أشد من إساءة القول، وقد قالت عائشة: دخل رهط من اليهود على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقالوا: السام عليك ـ والسام الموت ـ ففهمتها فقلت: عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مهلا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فقلت يا رسول الله، ألم تسمع ما قالوا. فقال: لقد قلت وعليكم، فإذا كان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يرض مثل هذا القول من عائشة، فكيف يرضي إذا قابلنا أحدهم في طريق أن نضطره إلى أضيقة.
ومن ذلك ما يحكونه في تفسير قوله تعالى في الآية ـ 29 - من سورة التوبة "حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون" قالوا: إن الجزية تؤخذ منهم على الصغار والذل والهوان، بأن يأتي بها ماشيا غير راكب، ويسلمها وهو قائم والمتسلم جالس، إلى ما قالوه مما لاينبغي ذكره، والإسلام أكرم من هذا كله، وما أحسن قول بعضهم: معني الصغار ههنا هو نفس إعطاء الجزية، والحق أنه من صغر ضد كبر وعظم، لا من صغر بمعني هان وذل، فالمعني وهم غير متكبرين ولا متعاظمين كما كانوا وهم محاربون، وهذا إنما يفيد نفي التعاظم، ولا يمنع أن يعطوها في كرامة توافق ما أمرنا به برهم؟.
علامة الهدى: