/ صحفة 115 /
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير(1)
كثيراً ما كان يقوم بنفسي أنه لا ينبغي أن نصف أحداً من رسل الله الكرام ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ بالاوصاف التي تعودنا أن نصف بها الافذاذ من الناس، كأن نقول عن أحدهم انه (عبقري) أو (بطل) أو (عظيم) أو نحو ذلك. وإنّما كان يقوم هذا بنفسي لما وقر فيها من اجلال (النبوة) و (الرسالة) أن تذكر بجانبهما الأوصاف المألوفة للناس، فحسب النبي أنه (نبي) وحسب الرسول أنه (رسول) وما هو بحاجة بعد ذلك إلى أن يقال انه (بطل) أو (عظيم) كما يقال لسائر الناس.
ولكني بعد التأمل لم أجد مانعاً من اطلاق مثل هذه الأوصاف، ذلك أن جانب القدوة في (محمد) مثلاً ليس في أنه (رسول) مؤيد من ربه، أو فيما يقتضيه ذلك من قداسة دينية تغمر القلوب بهذه العاطفة من الحب العميق، ولكن في أنه (انسان) أمن ايماناً صاداقً بما كلف من رسالة اصلاحية، وترك لامكانياته البشرية في أكثر الظروف، فمر ـ وهو يجاهد من أجلها ـ بكل المراحل الطبيعة التي يجب أن يمر بها داع إلى الحق والخير، في عالم يسوده الباطل والشر: أسرّ بدعوته أولا ثم جهر، وأوذى في سبيلها كثيراً فصبر، وتحول من قوم إلى قوم، ومن بلد إلى بلد، وانتصر وانهزم، وفرح وابتأس، وشاور ودبر، وراجع وروجع، وخاصم وصالح، وعاهد فأذاق معاهديه حلاوة

ــــــــــ
(1) مهداة إلى (جمعية الدراسات الإسلامية) التي تألفت حديثاً بمدينة القاهرة.