/ صحفة 116 /
الوفاء، وذاق من بعضهم مرارة الغدر، وانتابته أزمات، ووقع في مشكلات … ذلك ولو يشاء الله لآناه النصر منحة، ووفقه إلى النّجح بعامل سماوي، ولكنه حينئذ لا يكون موضع قدوة، ولا مناط أسوة، فانما يقال لي (اجعل فلاناً أسوتك) إذا كان الأمر في الدائرة التي يتفاضل فيها الناس، ويمتاز انسان عن انسان.
ولذلك يحسن الناظرون في سيرة الرسول صنعا إذا هم درسوا نواحي العظمة فيه من حيث كونه بشراً تحققت فيه صفات انسانية عالية جعلته فذا، ومكنته من أن يؤثر في الحياة تأثيراً فذاً.
ومن هنا استبيح لنفسي أن أصف محمداً صلى الله عليه وآله وسلم بأنه (بطل خالد).
* * *
ان البطل هو الذي يستطيع بماله من قوة بالغة أن يؤثر فيما يتصل به من الاشياء، أو فيمن يتصل بهم من الناس، تأثيراً بالغاً غير مألوف، ثم إذا كانت آثار هذه القوة باقية ثابتة فالبطولة تكون حينئذ خالدة.
و (محمد) صلى الله عليه وآله وسلم هو (البطل الخالد) بكل ما يحمله هذا الوصف من معنى، وما أقول هذا عن تحمس أو انسياق وراء عاطفة، وإنّما أقوله لأنه الحقيقة التي يفضى اليها التأمل في الآثار البالغة الخالدة التي أثرها، وفي القوة النفسية البالغة التي مكنته من هذا التأثير.
لقد استطاع محمد، صلوات الله وسلامه عليه، أن يقضى بدين التوحيد على الوثنية في جميع صورها قضاء تاما، فحطم الاصنام، وأهدر السلطة الروحية للبشر، ووجه العقل الإنساني توجيهاً قويا عملياً إلى أن التحريم والتحليل إنّما هما لله وحده، وأنه لا واسطة بينه وبين عباده في رضوانه أو في حرمانه.
واستطاع أن يقر في الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم مبدأ المساواة، لأنهم جميعاً من أصل واحد (كلهم لآدم، وآدم من تراب) (لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى أو عمل صالح)، ولم تكن الإنسانية قد أذعنت لهذا المبدأ،