/ صحفة 117 /
بل كانت الشعوب تصلى بنيران التفرقة، وتعيش في جحيم الطبقات، وهكذا تآخى بنو آدم، وأحيوا فيما بينهم وشيجة الرحم الأولى، ووجهوا تنافسهم وتسابقهم إلى العمل الصالح الذي يرفع بعضهم فوق بعض.
واستطاع أن يغرس في الناس مبدأ التكافل، فالمجتمع وحدة متضامنة يعين قويه ضعيفه، ويؤخذ من غنيه ليرد على فقيره، لا فرق في ذلك بين مجتمع الأسرة، ومجتمع القرية، ومجتمع الأمة، ومجتمع العالم، فالاسلام هو الذي قرر هذا المبدأ يوم كانت القاعدة في العالم هي استئثار الأقوياء بكل شيء من دون الضعفاء.
واستطاع أن يركز في الناس قانونا رحيما عادلا شاملا يكفل لهم السعادة والصلاح، ويدرأ عنهم الشقاوة والفساد، ذلك القانون الذي يجمع بين اصلاح المرء فيما بينه وبين نفسه، واصلاح فيما بينه وبين الناس، والذي يقيم من المرء على نفسه حارساً ووازعا، ويجعله ينظر إلى قواعد السلوك و المعاملة في المجتمع نظرته إلى ما هو مطالب به من العبادة، فيلتمس الثواب بما يفعل، ويخشى العقاب فيما يترك، والذي يبنى كل معاملة على أسس من المحبة والرحمة، والعدل، وينظر اليها من ناحية الفضيلة وما ينبغي أن يكون بين الناس من تكرم واحسان.
واستطاع، صلوات الله وسلامه عليه، أن ينظر إلى العدل نظرة عادلة منصفة فلا يفرق بين متبعيه ومخالفيه، وقد كانت هذه التفرقة ـ وما زالت ـ سراً من أسرار الويل والشقاء في العالم.
* * *
هذه ـ على وجه الاجمال ـ هي الأسس التي أرستها الدعوة المحمدية في العالم، وهي أسس عامة خالدة لا يخص الإسلام بها قوما دون قوم، ولا زمانا دون زمان، حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
فما هي الصفات التي منحها الله صاحب هذه الدعوة حتى استطاع أن ينجح هذا الجناح الباهر الخالد في تركيزها وتوجيه العالم كله اليها؟ ما هي القوة التي