/ صحفة 144 /
متباينتين في وقت واحد، كما فعل قسطنطين، الذي لم يكتف بأن يكون الكاهن الأعظم في الديانة الوثنية السائدة، بل كان في نفس الوقت حامى المسيحية وناشر فكرتها، ومؤسس القسطنطينية مركز الكنيسة الرومانية الشرقية.
على أن الدين رغم ما واجه من عنت خصومه ومستغليه في كل عصر، ظل قوى النفوذ، واسع السلطان، مسيطراً على القلوب، وذلك لأسباب أ÷مها أن العلم كان بيده، بل كاد يكون احتكاراً لرجاله على مدى العصور. ولا نريد أن نوغل في القديم أكثر من هذا، لنذكر القارىء بآثار كهنة سومر ـ أقدم الديانات ـ أو كهنة بابل، أو غرائب علوم كهنة مصر، أو أسرار مؤبذان فارس، أو ما إلى ذلك، بل حسبنا أن نذكره بأن العلم كان بيد الكنيسة المسيحية، وأن الإسلام جعل للعلم قداسة كالدين، فكان كل درس يبدأ باسم الله وبالتعوذ من الشيطان الرجيم، وكان طلاب التفقه في الدين يدرسون الفلسفة والرياضة والفلك والطلب والكيمياء، كما كانت المعاهد الدينية هي نفسها مدارس علوم الحياة، وعلماء الدين هم أساتذة تلك العلوم.
لكن معاهدنا الدينية الإسلامية هجرت كلياً علوم الحياة، كما أن الغرب المسيحي انحرف عنها إلى حد كبير، وان ظلت المدارس الدينية في بعض بلادهم تساهم مساهمة كبيرة في تثقيف الشباب مع صبغهم بروح الدين، والدليل على ذلك ما قرأناه في الصحف بالأمس القريب عما وقع في بلجيكا البلد الأروبي المتحضر، تحت عناوين بارؤزة مثيرة مثل (بلجيكا على أبواب حرب أهلية) ومجمل الخبر أن الحكومة البلجيكية خفضت المعونة التي تقدمها إلى المدارس الكاثوليكية، وأن هذا أثار أغلبية الشعب ـ وهم تلاميذ تلك المدارس طبعاً، فاحتشدت مظاهرة في الشوارع من مائة ألف كاثوليكي فيهم رئيس وزراة سابق احتجاجا على هذا التصرف.
ولقد وقفت أمام هذه الأنباء التي شغلت الرأي العالمي أياماً وقفة طويلة، وقرأت فيما بين السطور قوة الدين ومركز رجال الدين كأساتذة الجيل، وقارنت بين ربطهم الديني بالحياة، وبين ما نحن عليه الآن.