/ صحفة 196 /
مذهب المبرد في النقد الأدبي
لحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الشيخ علي العماري
المدرس بالازهر
ـ 2 ـ
قال أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه، قال لي البحتري، وقد اجتمعنا على خلوة عند المبرد، وسلكنا مسلكا من المذاكرة: أشعرت أني سبقت الناس كلهم إلى قولي:
شقائق يحملن الندى فكأنه دموع التصابى في خدود الخرائد
كأن يد الفتح بن خاقان أقبلت تليها بتلك البارقات الرواعد
هكذا أنشد. فاستحسن ذلك المبرد استحسانا أسرف فيه، وقال: ما سمعت مثل هذه الألفاظ الرطبة، والعبارة العذبة، لأحد تقدمك، ولا تأخر عنك، فاعترته أريحية جر بها رداء العجب، فكأنه أعجبني ما يعجب الناس من مراجعة القول، فقلت: يا أبا عبادة! لم تسبق إلى هذا! بل سبقك سعيد بن حميد الكاتب إلى البيت الأول بقوله:
عذب الفراق لنا قبيل وداعنا ثم اجترعناه كسم ناقع
وكأنما أثر الدموع بخدها طل تساقط فوق ورد يانع
وشركك فيه صديقنا أبو العباس الناشىء بما أنشدنيه آنفا:
بكت للفراق وقد راعني بكاء الحبيب لبعد الديار
كأن الدموع على خدها بقية طل على جلنار