/ صحفة 198 /
صاحب صنعة، ومستكره الألفاظ والمعاني، وشعره لا يشبه أشعار الأوائل، ولا على طريقتهم، لما فيه من الاستعارات البعيدة، والمعاني المولدة) والبحتري سهل العشر، يفضله من يؤثر سهل الكلام، وقريبه، و يعجبه صحة السبك، وحسن العبارة، وحلو اللفظ، وكثرة الماء والرونق، ولا يخالجني شك أن هذه الصفات التي وصف بها شعر البحتري، هي ما أعجب أبا العباس منه، وسنرى مصداق ذلك حين نفصل القول على النعوت التي أوردها المبرد في كتابه للشعر الحسن، فهو يؤثر سهل الشعر على متكلفه، وهو يؤثر المعاني القريبة، وينفر من المعاني البعيدة الغامضة، وهو يؤثر الطبع على الصنعة، وكذلك كان جماعة من الع لماء والشعراء. أنشد أبو عبيدة شعراً لأبي تمام فقال: ان كان هذا شعراً فما قالته العرب باطل (وعن دعبل أنه قال: ما جعله الله من الشعراء، بل شعره بالخطب والكلام المنثور أشبه منه بالشعر، ولم يدخله في كتابه المؤلف في الشعراء).
والمتتبع لحركة النقد في القرن الثالث يجد هناك ذوقين مختلفين متقابلين، أحدهما أعرابي فطري يميل إلى اللفظ الرقيق، والمعنى القريب، ويمثل ذلك المبرد وابن المعتز، ودعبل الخزاعي، وأحمد بن يحيى الشيباني، وابن الأعراني، والآخر منطقي فلسفي، ويمثل ذلك الصولي وقدامة، ولعل مما يعيننا على هذه اللفتة أن ابن المعتز ألف كتابا يعيب فيه على أبي تمام، فوثب قدامة في وجهه، وألف كتاباً في الرد عليه، ومعروف أن قدامة خطا بالنقد خطوات إلى الوراء حين حكم فيه منطق أرسطو، وأن ذوقه لم يكن سليما من الناحية الفنية، على عكس ما كان عليه الشاعر الذواقة الخليفة العباسي، ومن هنا تتضح أمامنا صورة قوية ظاهرة لذوق المبرد في النقد.
وربما يجول في خاطر بعض القراء أن أبا العباس لم يدون للبحتري كبير شيء كما لم يدون لأبي تمام، ويوضح السر في ذلك ما رواه أبو الحسن الأخفش قال: