/ صحفة 257 /
الأخلاق ينهار المجتمع وتتقوض أركانه، مهما كانت النواحي الاجتماعية الأخرى قوية الدعائم متينة البنيان. وذلك لأن الأخلاق تمس ناحية حساسة دقيقة في حياة المجتمعات، ففيها تتمثل أعمق العلاقات التي تربط الأفراد بعضهم ببعض، وأسمى المظاهر التي يمتاز بها الأنسان وتمتاز بها حضارته.
* * *
ومن ثم كان لابد للشئون الخلقية من دعامة تكون خارجة عن نطاق المنطق الفردي وزائده على رقابة القانون وحراسة الرأي العام، وتكون أقوى من أولئك جميعا: وهذه الدعامة هي الدين، فهو الذي يضفى على النظام الخلقي صفة القدسية، ويكسبه عظمة الايمان وجلال العقيدة، ويسمو به عن متناول الشك وتحبط العقول، ويقيم من كل انسان رقيبا على نفسه في العمل بقواعده والتزام حدوده، ويخلق الوازع الداخلي، ويجعل المرء في كل خلجة من خلجات فكره وفي كل حركة من حركات جسمه مستشعراً الخوف من خالفه، متمثلا ربه الذي يعلم علانيته وذات صدره، ويحاسبه على عقائده وأفكاره، كما يحاسبه على أعماله وسلوكه.
ومن أجل ذكل كانت ناحية الأخلاق هي أهم ما عنيت به الأديان السماوية جميعا. وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: (إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). بل ان بعض الأديان لا تكاد تتجاوز تعاليمه تحديد قواعد الأخلاق، ورسم مناهج السلوك.