/ صحفة 6 /
نداءان في شأن الصيد:
أولها وثانيها: في شأن الصيد وحرمته على المحرم، وذلك هو قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب، فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم. يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره، عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه، والله عزيز ذو انتقام).
والكلام في هذين النداءين له جهتان: جهة بيان لما شرعه الله في هذا الشأن من أحكام تناولها أهل المذاهب الفقهية بالبحث، واختلفت فيها أفهامهم، وتعددت تبعاً لذلك آراؤهم، وتلك جهة ليس من شأننا في هذا التفسير أن نعنى بها عناية أهل الفقه الا إذا كان لنا رأي خاص، أو كان في عرض المذاهب فائدة للقراء، والجهة الأخرى ما تضمنه النداءان من المبادىء التشريعية، والأسرار التي ينبغي الالتفات اليها، وهذه هي الجهة التي نقصر عليها حديثنا في هاتين الآيتين:
من مقاصد الشريعة اختبار المكلفين:
فأول ما يبدو لنا من ذلك أن من المقاصد التي تقصد اليها الشريعة اختبار المؤمنين وامتحانهم بنوع من الاحكام يراد به معرفة مدى طاعتهم واحترامهم لما يؤخذون به من تكليف احتراما قلبيا يلازمهم في سرهم واعلانهم، وان شئت قلت: يراد به تربيتهم على الطاعة، ومراقبة الله في المنشط والمكره، وفي الخلا والملا، فليس الذي يطيع ويمتثل فيما هو مصلحة ظاهرة له، كالذي يطيع ويمتثل ولو لم تظهر له المصلحة ثقة بحكمة آمره، واطمئنانا لتوجيه موجهه، فالاول مسوق ولو بعض الشيء بدافع من رعاية صالحه الخاص، ومنفعته الظاهرة، أما الثاني فانما يفعل ما يفعل لأنه أمر فائتمر، ودعى فأطاع،